حوارات وتحقيقات

الثلاثاء - 20 أغسطس 2019 - الساعة 10:34 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب/عبدالفتاح الحكيمي

لتشخيص وتصنيف ما حدث في عدن ومن بعدها في ابين يبدو أننا بحاجة إلى إحالة الموضوع الى لجنة الاهلة والأعياد والفلكيين وقارئة الفنجان , لأنه لم تثبت بعد رؤية هلال (الانقلاب) ولا دلائله ولا حتى القران ايضا , وبحاجة كذلك الى مأذون شرعي وقضاة ليتأكدوا إن ما حدث هو زواج متعة سياسي مؤقت أو دائم ام اغتصاب مبيت للسلطة !!.

وبكل برود وجبر خواطر ومواساة يظهر علينا ناطق التحالف العربي تركي المالكي بعد أسبوعين من الكارثة لاعلان اكتشافه البارد والمتأخر إن ما حدث : هو تصعيد خطير من قبل الانتقاليين .. (الله أكبر ولله الحمد) , ولكنه يضر بالتحالف أكثر من غيره ( قرحت الشرعية) , ويذكر بالضحايا والخسائر التي تسبب فيها الجناة لسكان عدن الآمنين , ولكن على على طريقة( عيب ياعيال .. يخس عليكم يا بلا أدب ).. قمة الحزم والعزم خصوصا بعد إلقاء قنابل ضوئية على معسكر مختار الردفاني تشبه المفرقعات الخاصة باحتفالات رأس السنة وعيد الأضحى والمناسبات الوطنية.
الرئيس هادي من جهته يجتمع بأركان حكمه متأخرا ويوزع عليهم الابتسامات والتهاني , ثم يوجه الشكر الخالص للمملكة (مجانا) لوجه الله الكريم , ونعلم من هو القائل , ولكن لا نعلم ما هي المناسبة والضرورة .. وبعد ذلك لا نستغرب اذا توجه الهادي بجزيل الشكر والامتنان للانقلابيين انفسهم أيضا من ناحية وطنية أقل شيء كلهم عيال الجنوب , فالاقربون اولى بالمعروف ..
وما كاد ينفض اجتماع مولانا الرئيس إلا وتتشكل خلية خاصة لمتابعة وتقييم ورصد وعصد الموقف في عدن .. ولم تكتمل الفرحة الا بعد ساعتين فقط مع تلقي غرفة عمليات (الخلية الخاصة) خبر لطمة عسكرية في أبين ليل امس , بعد محاصرة مليشيات الحزام الامني لمعسكر القوات الخاصة كانت أشبه بتحية رفاقية خاصة تعكس حرص ورغبة طرف الانتقالي الملحة والصادقة في تلبية دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى والمهاب سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الى مؤتمر خاص بين الفرقاء الجنوبيين في الرياض او جدة لحلحلة تداعيات ومخاطر انقلاب عدن.

* التواطؤ مع الانقلاب *

أغرى التراخي وتهاون المجتمع الدولي وموقفه(الصامت) حتى الآن إزاء الانقلابيين في عدن رغم حجم الضحايا وغزارة الدماء والخراب بتماديهم أكثر وإضفاء تعقيدات جديدة للأوضاع على الأرض , ليس آخرها الاستيلاء على كل اسلحة ومعدات الوية الحماية الرئاسية , واخفاؤها في مناطق وقرى التمرد في الحبيلين ويافع والضالع .
وما هو معلن من تظاهر مراوغ باستجابة الانتقالي لمطالب التحالف يقابله إصرار على الأرض في بلوغ سيناريو الانقلاب حد الثمالة والاجهاز على ما تبقى من رمزية شكلية للشرعية, فرفعوا حالة الجاهزية واليقظة لمحاصرة ما تبقى من اطلالها في عدن .
ولا يخلو الاعلان عن الانسحاب من بعض المعسكرات بعد افراغ ونهب اسلحتها من مفارقات , فاعادوا الانتشار هذه المرة في محيطها وفي نقاط تماس حولها والتقطع لأفراد الحماية الذين عاد بعضهم إلى معسكرات خاوية على عروشها وكروشها ومنعوهم حتى من حراسة البنك المركزي وسلب أسلحتهم الشخصية .. واحاطوا كل منشأة يسلمونها للجنة السعودية الإماراتية المشتركة بخلايا مقابلة جاهزة للانقضاض.
ويتماهى السعوديون فجأة مع خطاب الانقلابيين بأن جزءا في الحكومة أصبح يربك بمواقفه اي تقدم في جهود تحالف إستعادة الشرعية , وأكثر من ذلك لا يترددون في القاء التبعات كلها على الرئيس المحاصر منهم وشرعيته(المخترقة) من الطابور السابع(الشابع) حوله الذي يسيطر على ادارة مؤسسة الرئاسة وجزء من قراراتها ..
وقد يكون ذلك بنظر السعوديين هو المدخل السحري لامتصاص نقمة المنقلبين وطمأنتهم , ليتولوا دور المصلح القبلي , لكن اشتراطات الطرف الآخر لم تقف عند مطلب إزاحة الإصلاح وعلي محسن(الذرائع) وحدهم , فذلك لا يكفي مع وجود رئيس(عرز) مثل عبدربه منصور هادي يحول دون تمكينهم وتمرير ما يريدون .
فالانتقاليون يرغبون في إزاحة طابور الإصلاحيين المؤثر على الرئيس لكنهم لم يثبتوا حسن نواياهم في الاقتراب منه وتمادوا أكثر في الاستهانة به ومحاولة التوغل في منطقته ومسقط رأسه .
ولم تكن فزاعة الإخوان المسلمين والإرهاب سوى جسر عبور مؤقت للتخلص من هادي نفسه او اضعافه أكثر مما هو عليه الآن بمسمى(إعادة التوازن الى مؤسسة الرئاسة) , ولا خيارات للانقلابيين إلا بالقرصنة على سلطات الرئيس الفعلية ونقلها الى نائب منهم يفرضونه على التحالف أو استمرار مسلسل الابتزاز والتحرش الشامل بتفجير الأوضاع العسكرية كلها في الجنوب وارباك المملكة السعودية نفسها المتضرر الأكبر من تداعيات الأوضاع في اليمن على حدودها.
ومن الغباء السياسي ان يفهم مجلس الانتقالي تلميحات السفير الأمريكي السابق وغيره ان ما قاموا به ليس( انقلاب) على أنه ضؤ اخضر ومباركة لأي تصعيدات أسوأ , فبنوا حسابات إسقاط محافظة أبين أمس عليه , وكذلك بسبب يأسهم من رفض اشتراطاتهم المسبقة على الجميع لقبولهم بالحوار او حتى(الحمار).
ولا معنى حقيقي لتبني مؤتمر في الرياض او جدة لا يستوعب باقي مكونات الطيف السياسي الجنوبي الفاعلة الأخرى .. والأخطر من ذلك إن الإمارات عارضت بشدة نقل ملف الانقلاب إلى أروقة الأمم المتحدة لتورطها فيه وإبقاء أدواتها المحلية جاهزة ومتحفزة تحت الطلب لمهمات قادمة.
ولعل تمدد سرطان الانقلاب إلى محافظة أبين وتوقيته قبيل لقاءات الرياض جدة محاولة ابتزاز رخيصة لن تدفع الطرف الآخر الى الرضوخ وتسليم رقبته للانتهازيين بل قد تدفع الى تصعيد يمني دولي ضد الإمارات نفسها .
ومن نتائج الغباء السياسي للانتقاليين أيضا ان تماديهم في تعقيد الأوضاع الأمنية في جنوب اليمن سوف يعزز من مواقع من يسمونهم (الإخوان المسلمين) لدى السعودية بوجه خاص التي لم تعد مسألة الوحدة اليمنية او اعادة الشرعية او حتى انفصال الجنوب أهم عندها من تهديد التمدد الإيراني الحوثي القائم على حدودها ووجودها.
ومن الغباء عندما يقولون أيضا إننا نقوض الدولة ونخرب مؤسساتها ونعترف بالرئيس , ما يعكس حالة أزمة ثقة بعدالة قضيتهم وأنهم فقط يحتاجون للرئيس هادي ك(جمل معصرة) يختصرون به الحصول على وهم شرعية دولية مستحيلة عدا عدم اعتراف مكونات الداخل الجنوبي نفسه بهم او تفويضهم للانتقالي بتمثيلهم .. وهناك فرق شاسع بين الدهاء السياسي والمكر السيء الذي لا يحيق إلا بأهله.
صحيح جدا ان المجتمع الدولي وهيئاته لم يصدروا ادانات واضحة للانقلاب او معاقبة الجناة لكنهم لم ولن يحصلوا أيضا على مجرد وهم او سراب اعتراف مستحيل بهم .. وليسألوا من قبلهم الأكراد أو والتركمان والاسبان .. فما بالنا بمن يطالب بالانفصال في ظل حرب وطنيةو إقليمية ودولية كالتي نحن عليها في اليمن.

* سلفية ولي الأمر .. وولي الخمر*

واعلموا أن الذي حرر الساحل الغربي واخترق عمق الحديدة هم جنود الشرعية , ألوية العمالقة(سلفية ولي الأمر) الذي تتآمرون لاسقاط رئيسهم والتخلص منه بأي وسيلة وثمن , وليست قوات سلفية( ولي الخمر) ولا جنود الإمارات والمليشيات المختبئة في الجحور وتجير وتنسب انتصارات غيرها باسمها .. وكلما علموا بتشييع شهيد من العمالقة يحشرون أنفسهم قبل الدفن لرفع العلم(الجنوبي) فوق جنازاته , وهذا دأب من زعموا انهم أيضا حرروا عدن هم وليس ابناؤها.
ولا يتعضون من صاحبهم هاني بريك (المدخلي) الذي ورطهم في الانقلاب الأخير ونكب بهم شر نكبة بارتكاب مجزرة بوابة معاشيق وما بعدها من مئات الضحايا المدنيين وعسكريين لن يغفل عن دمائهم الطاهرة لا أرحم الراحمين ولا اولياء الدم..( ونمد لهم في طغيانهم يعمهون).
أما دولة العمارات المتحدة عندما احتاجت لعبدربه منصور هادي لانقاذها من مستنقع الحديدة استنجدت به أواخر العام الماضي لإقناع قوات العمالقة بالوقوف معها في معركة الحديدة ضد الحوثيين , وفرشوا له السجاجيد الفاخرة الأنيقة والورود الفواحة في زيارته الى(ابو ظبي) وهيأوا قصره في معاشيق بالفل والرياحين والبخور ثم عادوا اليوم ليطعنوه بادواتهم المسمومة في الظهر , فقد تعامل معهم عبدربه بشهامة البدوي وعقليته النظيفة وغدروا به هم للمرة الثانية من حيث لا يتوقع .. وصدق فيهم قوله تعالى(لا يرقبون فيكم إلا ولا ذمة) أي أنهم لا يرعون لكم عهدا ولا يصونون حرمة دم ونفس المسلم من الاستباحة.
** وبعد هذه نصيحتي لاخواني وابنائي في كل مكونات الحراك الجنوبي السلمي والدموي أيضا .. الصراع اليوم في المنطقة ليس بين من يريد الوحدة او الانفصال , والدول الكبرى مستغرقة بمشاكلها ومصالحها الكبرى في بحر العرب والبحر الأحمر والخليج وغيرها , وليس أفضل لكم من نهج ووسيلة النضال السلمي لفرض المطالب والمعادلات لتغيير الانطباع الأخير عن الجنوب الذي اظهره الانتقاليون كبيئة طاردة (مؤذية) مؤرقة لمستقبل السلم المطلوب في المنطقة ..
ومثلما احتكمت الوحدة لقواعد التراضي وفرض الطرف الجنوبي لها وسعيه الى تحقيقها برضاه وقناعاته واختياره فإنها أيضا ليست قيدا ابديا او (مسمار جحا) ولاهي ايضا شماعة لاشاعة روح ثقافة الكراهية والعنصرية البغيضة بين وضد البسطاء .. وغالبا ما مثلت هذه الوحدة إرادة ومصالح دولية فوق رغبة قيادات وابناء الشطرين أنفسهم .. فأطلق عليها العرب والأمريكان (وحدة آبار النفط)** ..
وقد لا يكون الانفصال أفضل مثلما لن تكون الوحدة قيودا , ولكن احترموا رغبة وخيارات بعضكم فقط ليبنى اي كيان آخر بديل على أساس الكرامة والمواطنة المتساوية والأخوة في الإنسانية, لأن ما يحصل بين مكونات قوى الطيف السياسي والاجتماعي الجنوبي هو صنيعة التطرف الداخلي وعقلية الهيمنة والاستحواذ وفرض الإرادات الخاصة على الآخر(الشريك الوطني) بالهمجية الفجة.
عندما غاب العقلاء ترك العالم الشمال والجنوب ليتقاتلوا ونسيتهم حتى وسائل الإعلام الكبرى , وعندما ظن الجنوب إنه قد استقل عن الشمال(نسبيا) طغى بعضه على بعض قبل أن تنضج مبررات وجود كيان مستقل او كونفدرالي او فيدرالي مع نفسه او مع غيره.
لا نكون أبدا كمثل حال المرأة التي كان زوجها المحكوم عليه يتهيأ لحبال المشنقة وهي تشير إليه من وسط الجمهور المحتشد لاعدامه وتلعق(تلحس) اصبعها لتذكره إنه لم يشتري لها العسل الذي وعدها به ..!!.


** هامش : وحدة آبار النفط : مصطلح سياسي أطلقه في بداية تسعينيات القرن الماضي باحث أمريكي للدلالة على وجود مناطق ثروات نفطية ومعدنية وغازية مشتركة بين شطري اليمن في حدود مأرب وشبوة كانت أبرز الضمانات والمحفزات لمباركة الدول الكبرى قيام دولة موحدة في اليمن.