حوارات وتحقيقات

الإثنين - 27 أغسطس 2018 - الساعة 09:53 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب_صالح القطوي

يافع معروفة بمواقفها؛ زاخرة بتاريخها وموروثها قديماً وحديثا، وفي أمثال أهلها وحكمهم ما يدل على ذلك، من قبيل قولهم:
يافع السيف والضيف.
لذلك قالوا: اِدع اليافعي ولا تشوره. لأنه سيف قاطع.
وقولهم: جُمل اليافعي ظَهو. ضيف كريم يدين بالكرم.
ومن هنا قالوا: "العُر باقي ويافع بالجود، وشجاع يافع عدو نفسه". أي أنه واقع بشجاعته وكرمه - بين رسوخ الجبال وكرم الإنسان، ولن تثنيه مخالب الموت عن أصالته نجدةً ونخوة.
لكن دعونا نتأمل يافع من الداخل، وننظر في خصوصياتها من القول المأثور ونفتش في أسماء الأعلام المكانية والإنسانية، لأنها تشكل خارطة اللهجة والجغرافيا؛ وتتشكل منها ملامح اللغة والثقافة، ومدى الأثر الروحي المرتبط بيافع الزمان والمكان عبر تاريخها الطويل وموروثها الشعبي المرتبط بالإنسان اليافعي - قلبه وكيانه فتجذرت في عاداته وتقاليده حكاياتها ومضربها كلما جدّ جديد.
فمن الأعلام الإنسانية قولهم:
لا رضي الله غلب سالم حسين. 214
عاقِل وشوره لـعبادي. 153
ومنه ما جاء به الجناس: ما قاله بن مُهتَم تَم.
أو للسخرية مثل: شيخوا عيسى وسار فشّخ. 138
ومن المجاز قولهم: شيخوا متبق وصدّق.
بُوبَك للعدود. 54
وقد تقرن بأسماء من الموروث الشعبي اليمني والفصيح العربي، مثل: جبالك يا ابن علوان جبالك يا الخيمني. 171
التسمية للولي واللحمة لابن علي. 65
وقولهم: هدية أحمد الريمي. 313
وفي تمانيهم يقولون: ليت لي دَين غُرَاب. 118
وقد ترتبط باسم المكان نحو قولهم: أول بَرعَة  لصاحب حَبَه.42
أو بإضافة الاسم وتعميمه: ولد الويل، باني الويل ردي البطانة ظهارة. 45
وهي على بساطتها تكشف اسم الإنسان المتداول في مناطقهم وطبيعته المتعلقة بشيئ ما، مثل قولهم: ما لِمَسرَجة جابر إلا مَعصَرة جُبرَان. 251
ومن الأعلام المكانية على دقة استعمالها في أقوالهم المأثورة، نجد من أسماء القرى (عنتر وقَدوَر، مورة، رَيو، الفِردَة، الرَّدَما، الحاجِب وجرم، القارة، لَقمَر، خُلاقة، الجواعِل وشمسان)، من قبيل قولهم:
عنتر يجزع وقدوَر يرجع. 161
ومنها ما ارتبط بطبيعة الأرض القاسية: شوب البلد ولا حَب كَلَد. 136
أو بأشجارها العملاقة: تولقة شرعة مأوى الهواش.
أو نباتاتها مثل: ذي ادخل حنصوص شرعة يخرجه. 104
ومنها ما يتعلق بوديانها وجبالها، فمن الوديان قولهم: يبيع بِدرِعَه وكسب الجرَّار. 328
ومن قمم الجبال قولهم: وايش وصَّلش واحبَّه لا عند شامخ ثَمَر 321
وليس غريبا ولا عجيبا أن يتعلق اسم المرأة اليافعية بالمكان - القرية، لأن فيه ما فيها من دلالة متأصلة متجذرة بطبيعة المنطقة وأهلها، ومن هنا قالوا:
صاحبة مورة اختنقه بشُّحَّاره. 83 دلالة على خجل نساء تلك المنطقة واستحيائهن.
أو بمهنتها القديمة وصفاتها كعروسة أو عاملة أو ناعية إو محجبة، ومن هذا القبيل قالوا: ما مع الحاطبة إلا رجليها.251
المحجبة لا خرجه عجّبَه. 264 والناعية شحباء والقتيل حوّاني. 309
ولذلك كشفت مادة الأمثال اليافعية عن طبيعة المنطقة الوعرة والمرتفعة والجافة، من قبيل قولهم: طريق الفردة العُر. 155، الموت بالحاجب والقبر بجرم. 306، وين طريق لَقمَر يا والده. 321، وحمار القارة كوده يسقي نفسه. 87
لهجة يافع تجدها متآزرة متقاربة ليس في كلماتها وتراكيبها لمنطقة دون أخرى وإنما في طبيعة الفونيم الصوتي لتلك الأدوات التي تتشكل منها تلك اللغة بلهجاتها المجتمعية وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية، ولم تؤثر فيها لا طبيعة التقسيمات الجغرافية ولا الإدارية لها، وهذا ما جعل الباحث ينطلق من زاوية واحدة في جمع المادة وإخراجها إلى النور...
ولو كنا ما ننتظره من الباحث هو تعريفنا بتلك الفروقات المناطقية في نطق المثل بلهجتها، فلا شك أن مناطق وقرى يافع العليا تختلف لهجتها نوعا ما عن قرى ومكاتب يافع السفلى، والإفصاح عن طبيعة الأدوات والضمائر التي تسند إلى مفرداتها من عنعنة وتلتلة أو كشكة وقلقلة أو إدغام وإقلاب، لأن ذلك سيكشف للمتلقي مدى ثقافة ومشاركة كل منطقة على حدة، وتحفظ مناطق أخرى أو غيابها عن المشاركة ولو بمثل واحد لسبب ما، أو تغييبها نتيجة للبعد المكاني، بخاصة تلك الأمثال التي تعبر عن طبيعة المنطقة ولهجتها، ومنها ما تضّمنها بحثنا هذا.
وهذه هي الخلاصة التي ينبغي أن يخرج بها الباحثون عن الأمثال اليافعية وأصالتها الممتدة عبر الأزمنة والتاريخ، تتداوله الأجيال جيلا بعد جيل...

           بقلم الباحث: أ/ صالح ع.ح. القطوي
-------- -------- -------- -------- ------- -------- ------
(*) المصدر الشائع من أمثال يافع، د/ علي صالح الخلاقي، طبعة ثانية منقحة ومزيدة، 2006م.
------------------------------------------------------------------