أخبار محلية

السبت - 19 سبتمبر 2020 - الساعة 10:16 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات


تقرير يتناول تاريخ الميسري السياسي ومستقبل تواجده في المشهد اليمني.

كيف ظهر هذا الرجل وما هو تاريخه السياسي؟

ما الذي قام به ليصبح أحد أبرز السياسيين اليمنيين؟

لماذا يتمسك بخيار الجمهورية اليمنية وينبذ دعوات الانقسام؟

هل دفع الميسري ثمن رفضه ارتهان البلد للقوى الخارجية؟

ما هو مستقبله السياسي.. وهل تستطيع التطورات الأخيرة إخراجه من المشهد؟

القسم السياسي:

ثمة شخصيات تأتي إلى عالم السياسة وتغادره دون أن تحدث ضجيجاً، وفي
المقابل يسعى كثيرون إلى ترك بصماتهم وأعمالهم شاهدة على مرورهم ذات يوم
من هذا المكان.

وفي عالم السياسة اليمنية، هناك الكثير من الشخصيات التي أثارت جدلاً،
إيجاباً أو سلباً، من قبل المراقبين والمتابعين؛ بسبب مواقفهم المتطرفة،
أو نتيجة تمسكهم بمبادئ معينة.

بل أنهم واجهوا من أجل مبادئهم تلك قوى مناهضة عديدة، خسروا مقابل ذلك
الكثير، ودفعوا ثمناً باهضاً، وما زالوا يدفعون.

ولعل الأحداث والتطورات الجسيمة التي رافقت اليمن طيلة تاريخه المعاصر
خلال الستة العقود الماضية، لم ترقى إلى مستوى وجسامة الأحداث في العقد
الأخير، وهي الفترة الأكثر اضطراباً في تاريخ بلادنا.

فإذا كانت الفترة من 2011 وحتى 2015 قد شهدت بداية أزمة سياسية اقتصرت
على مناكفات حزبية ومواجهات مسلحة محدودة هنا أو هناك، إلا أن الفترة من
2015 وحتى 2020 شكلت تحدياً خطيراً لمستقبل ومصير البلاد برمتها.

لهذا ظهرت العديد من الشخصيات التي تملك قناعات سياسية معينة، تمسكت بتلك
القناعات والمبادئ؛ لمواجهة مشاريع التمزيق والتدخل الخارجي، خاصةً في
الساحة الجنوبية.

من هذه الشخصيات كان المهندس أحمد بن أحمد الميسري، الذي ما زال يشغل
حالياً منصب نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية.

فما الذي فعله الميسري ليصبح واحداً من السياسيين اليمنيين المثيرين
للجدل؟، ليس فقط في الجنوب، بل على مستوى اليمن بشكل عام.

بداية صعود نجم الميسري

برز اسم المهندس أحمد الميسري أثناء الخلافات التي عصفت بحزب المؤتمر
الشعبي العام (2012)، والتي أعقبت فترة خروج رئيس الحزب، علي عبدالله
صالح، من السلطة.

حيث تنص أدبيات ولوائح حزب المؤتمر التنظيمية على أن يتولى رئيس الدولة
رئاسة الحزب، غير أنه وبعد تسليم صالح السلطة لخلفه عبدربه منصور هادي لم
يعد الأول هو رئيس الحزب، بحسب النظام الداخلي.

وتولى الميسري برفقة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، الذي كان حينها رئيساً
لفرع المؤتمر بعدن، مهمة الترويج لأحقية هادي برئاسة حزب المؤتمر بصفته
رئيساً للدولة، وفقاً لما نصت عليه لوائح الحزب التنظيمية.

ورغم أن هذه المهمة تسببت بتفكك حزب المؤتمر، ما بين مؤيد لبقاء صالح،
وآخرين مؤيدين لتولي هادي رئاسة الحزب، إلا أن نجم الميسري سطع خلال هذه
الخلافات الحزبية.

ومن حينها بدا الميسري سياسياً قادراً على تولي مهام كبيرة، في ظل اهتمام
الرئيس هادي بالملف الحزبي، وتأثيراته السياسية في تقاسم السلطة
ومحاصصتها مع بقية الأحزاب اليمنية المؤيدة للشرعية.

ومع فرار بن حبتور إلى صنعاء وارتمائه في أحضان الحوثيين (2015) أصبح
المجال متاحاً أمام الميسري لتولي رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام في
عدن، وما تم فعلاً، بحسب رغبة الرئيس هادي، والذي أوكل إليه لاحقاً مهمة
ترتيب الصف المؤتمري الجنوبي، وليس في عدن فقط.

نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للداخلية

الأدوار التي لعبها المهندس أحمد الميسري في عدن، خاصةً فيما يتعلق
بالملف الحزبي للمؤتمر الشعبي العتم، جعلته أحد الرجالات التي يمكن أن
يعتمد عليها الرئيس هادي، ليس في عدن وحدها، بل حتى في الجنوب.

وهو ما تحقق بالفعل حين تم تعيين الميسري نائباً لرئيس الوزراء، ووزيراً
لوزارة الداخلية (2018)، فيما اعتبره محللون أنه مكافأة للرجل على مواقفه
السياسية ودعمه للحكومة الشرعية والرئيس هادي، رغم أن هذا التعيين كان
مفاجئاً بالنسبة للكثيرين.

ومكمن المفاجأة لدى عدد من المراقبين يتمثل في أن الميسري مهندس زراعي،
لا خبرة له في المجال الأمني ووزارة الداخلية، الذي يحتاج لمتخصص في
الشئون الأمنية لتحقيق نجاحات في هذا المجال.

وهي النقطة التي أثارت جدلاً كبيراً، وتلقفها معارضو الرجل بالكثير من
السخرية والتقليل من قدرات الميسري في تولي هذا الملف الشائك، خاصةً وأن
التعيين جاء في فترة أمنية عصيبة مرت بها مدينة عدن.

إلا أن هذه الخطوة عكست وأكدت دراية هادي برجالاته، ومعرفته بقدرة من
يعينهم ويعتمد عليهم، وهو ما تجلى في نجاحات الميسري على الأرض، فيما
يتعلق بعمل وزارة الداخلية.

كما تجلت صوابية هذا الإجراء في المواقف التي تبناها الميسري خلال
الأحداث والمستجدات الكبيرة اللاحقة، والتي عصفت بعدن والجنوب برمته.

مواقف الميسري السياسية

كان للميسري العديد من المواقف السياسية التي مثلت سبباً في إبعاده
لاحقاً عن المشهد السياسي، بحسب رأي محللين كثر، كما أن هذه المواقف هي
من تسببت بإخراجه من عدن.

وكانت أبرز تلك المواقف تمسك الميسري بخيار الدولة الاتحادية داخل كيان
الجمهورية اليمنية، ورفضه لدعوات الانفصال والتشظي التي تبنتها عدد من
المكونات، كفصائل الحراك الجنوبي، والمجلس الانتقالي.

لكن أبرز مواقف الميسري اللاذعة، كانت دعوته لتصحيح مسار العلاقة بين
الحكومة اليمنية الشرعية، وبين التحالف العربي.

حيث أعلن الميسري من عدن ذات يوم، وخلال فعالية شعبية وجماهيرية كبرى، أن
العلاقة بين الشرعية والتحالف يجب أن تقف عند الاستعانة بهم عسكرياً
لمواجهة مليشيات الحوثي، وعدم التدخل في إدارة وتسيير شئون المناطق
المحررة.

كان هذا التصريح قوياً، وصادماً بالنسبة للموالين للتحالف، ومناهضي
الشرعية، لكنه كان مطلوباً لدى مؤيدي الحكومة ومعارضي ممارسات التحالف
العربي، حينها وُصف الميسري بأنه أحد "صقور الشرعية".

الميسري خلال أحداث 2019

مثل المهندس أحمد الميسري برفقة صالح الجبواني وزير النقل اليمني السابق،
رأس الحربة في عملية مواجهة قوات المجلس الانتقالي، وكانا بالفعل صقوراً
للشرعية، ساهما في بلورة مواقفها الرسمية تجاه ممارسات الانتقالي أو حتى
التحالف.

وتجلى ذلك بوضوح خلال أحداث ومواجهات أغسطس 2019 الدامية، فقد كان
الميسري يقود القوات الحكومية على الأرض خلال تلك الأحداث، وظهر أكثر من
مرة في تسجيلات مرئية برفقة قادة عسكريين، داخل عددٍ من مناطق عدن.

وبعد أن انتهت المواجهات لمصلحة قوات المجلس الانتقالي، غادر الميسري
عدن، لكنه أبى أن يمضي دون توضيح صورة ما جرى في المدينة، وما تعرضت له
القوات الحكومية من مؤامرة، بحسب ما قال.

وظل حاملاً راية العودة إلى عدن، ومتبنياً الانتقادات اللاذعة التي طالت
التحالف العربي.

الميسري الوحدوي

مواقف الميسري لم تقتصر على ما أعقب أحداث أغسطس 2019 من تداعيات ونتائج،
في عدن والمحافظات المجاورة، لكنها كانت أعم وأوسع لتشمل مستقبل اليمن
والبلاد بأسرها.

فهو يصر ويتمسك بخيار بقاء الجنوب في إطار الجمهورية اليمنية، ويرى أن
الحصول على مزايا الحكم الذاتي في النظام الاتحادي الذي أقره اليمنيون في
مؤتمر الحوار سيكون أفضل بالنسبة للجنوبيين من سيناريوهات الانقسام.

ويبدو أن هذا الخيار الذي تمسك به الميسري هو ما جعله يتصادم مع الكثيرين
من منتسبي الفصائل الحراكية في الجنوب، بالإضافة إلى خصوماته مع المجلس
الانتقالي الجنوبي.

ولعل هذا الخيار الوحدوي ليس خيار الميسري وحده، فهو بحسب مراقبين ما
انتهجه عدد من صقور الحكومة الشرعية ومسئوليها في عددٍ من المحافظات
الجنوبية.

وتلك القيادات الجنوبية اتخذت موقفاً مؤيداً لليمن الوحدوي، ما دامت في
إطارها الاتحادي والفيدرالي، ولم تنسق إلى دعوات الانفصال أو فك الارتباط
التي تبنتها عدد من المكونات والفصائل الجنوبية.

وربما يكون أولئك القياديون، وعلى رأسهم الميسري، قد رأوا ما فيه الكفاية
من الصراعات والانقسامات في تاريخ الجنوب، حفزتهم على التمسك بخيار
الجمهورية اليمنية، ضمن نموذج فيدرالي اتحادي، قد يكون هو أساس مرحلة ما
بعد الأزمة اليمنية الحالية.

هل دفع الثمن؟

وإزاء كل تلك المواقف السابقة، يؤكد محللون أن المهندس أحمد الميسري دفع
ثمن صراحته، وخسر مكانته السياسية ومناصبه الحزبية والحكومية؛ بسبب
مواجهته لقوى في التحالف، ووقوفه ضد مشروع المجلس الانتقالي، والكيانات
المطالبة بالانفصال.

حيث يربط كثيرون بين تصريحاته المقارعة للتحالف، وبين الأحداث التي جرت
في عدن وانتهت بإقصائه عن المشهد، على الأقل داخل المدينة، ورفض عودته
إليها سواءً بصفته الشخصية، أو عبر قوات الجيش الحكومي.

غير أن الميسري استطاع التواجد باستمرار قلب المشهد السياسي رغم خروجه من
عدن، وقد يكون دفع الثمن بخروجه من المدينة، غير أنه ظل مشتعلاً حركةً
وتنقلات بين دول المنطقة، ولم يهادن أو يصمت عما حدث في عدن، حتى وهو في
العاصمة السعودية الرياض.

بل أن البعض يأخذ عليه سعيه لتوطيد علاقات مع قوى إقليمية ودولية مناوئة
للتحالف العربي، مثل قطر وسلطنة عمان وتركيا، والسفر إلى تلك الوجهات
ومناقشة الوضع اليمني والجنوبي مع قادتها أو ممثلين عنهم.

ويتمثل هذا المأخذ على الميسري بكونه يرفض ارتهان البلاد لأي قوى خارجية،
بينما هو يتنقل بين عواصم الدول المناهضة للتحالف العربي، ويبرم الصفقات
السياسية هنا وهناك، وفق انتقادات معارضيه.

إلا أن مؤيديه يصفون تحركات الميسري في المنطقة بأنها تصب لصالح عودة
الحكومة الشرعية وتمكينها من حكم البلاد وإنهاء الانقلاب في عدن وصنعاء
على السواء، وليس بهدف الارتهان المجرد لتحقيق أجندات الغير.

ويبدو أن المحللين لا يسلمون بخروج الميسري من المشهد، بحكم تحركاته
وتنقلاته وتصريحاته خلال العام الماضي، وهي الفترة الكاملة على خروجه من
عدن وسيطرة الانتقالي عليها.

لهذا فهو ما زال أحد اللاعبين الأساسيين في السياسة اليمنية اليوم، بل أن
اسم الرجل ما زال يتردد في جلسات مشاورات ومفاوضات الرياض الخاصة بتشكيل
الحكومة الجديدة، فثمة من يتمسك بتواجده في التشكيل المرتقب، بينما يطالب
آخرون بإبعاده باعتباره عاملا من عوامل الصراع.

مستقبل الميسري السياسي

كما أكد محللون.. فإن الأحداث التي عاشتها عدن خلال العام الماضي، لم
تستطع إخراج الميسري من المشهد السياسي، فالرجل ظل حياً ومؤثراً، حتى وهو
خارج البلاد.

وما يدل على ذلك تواجد اسمه في مشاورات الرياض الخاصة بتشكيل الحكومة
الجديدة، حيث يتمسك به الرئيس هادي وقياديون شرعيون، بينما يصر الانتقالي
وممثلون عن الحراك الجنوبي على إقصائه من أي تشكيل حكومي مرتقب.

ويبدو أن هذه الجزئية هي أحد العوامل التي تسببت بعرقلة وتعثر مشاورات
تشكيل الحكومة، إلى جانب العديد من العوامل الأمنية والعسكرية الأخرى،
والتي ترسم في مجملها الوضع المعقد على الساحة المحلية.

وعطفاً على هذا التعقيد الكبير في دهاليز وألاعيب الشأن الجنوبي خصوصاً
واليمني عموماً، يظل المشهد السياسي العام غير قادر على إقصاء أي شخصية
من الشخصيات السياسية المؤثرة في الشأن المحلي؛ وذلك لعدة مبررات.

أول تلك المبررات يكمن في كون الميسري أحد الصقور القوية في جناح الحكومة
الشرعية، وهذا يجعل هذه الأخيرة متمسكة وبقوة برجل كالميسري، يعد
الاستغناء عنه خسارة للحكومة الشرعية في معاركها وحربها مع خصومها.

كما أن من مبررات عدم القدرة على إقصاء أحد، أن فضاء التأثير في عالم
السياسة اليمنية أصبح اليوم واسعاً، وبمقدور أي شخصية أن تلعب دوراً في
الشأن السياسي المحلي، سواءً تواجدت في الحكومة أو خرجت منها.

السياسي الأول

قد لا يكون المهندس أحمد الميسري السياسي رقم واحد في اليمن، ولكنه يمكن
أن يكون واحداً من السياسيين البارزين والمؤثرين في المشهد العام.

ويعود ذلك إلى خبرة الرجل، وتجاربه الجسيمة سياسياً وحزبياً، رغم صغر سنه
النسبي، مقارنةً بغيره من القيادات الحكومية الكبيرة.

وهذه الخبرة والتجارب العديدة، واكتسابه مزيداً منها بسبب الأزمة الأخيرة
التي قذفت به إلى خارج البلاد، ودفعته لخوض غمار تجارب جديدة، والتعرف
على نظرة الدول الإقليمية والدولية لما يدور في اليمن، قد تؤهله مستقبلاً
ليكون احد أبرز السياسيين اليمنيين.

وهذا لا يمنع أن يكون للميسري العديد من الانتقادات وبعض الممارسات
السياسية والحزبية التي تؤخذ عليه، لهذا يبقى في النهاية شخصية سياسية
مثيرة للجدل، اتفق عليها واختلف معها الكثير من المراقبين والسياسيين
والمواطنين حتى.

وهذا الاختلاف هو ما يميز السياسيين الجيدين، الذين يمرون على تاريخ هذا
البلد أو ذاك وقد تركوا بصمةً لأعمالهم، سواء كانت هذه الأعمال إيجابية
أو سلبية، فالتاريخ هو وحده من سيحكم، وليس نحن