مقالات وكتابات


الأربعاء - 25 سبتمبر 2019 - الساعة 11:05 م

كُتب بواسطة : ماجد الداعري - ارشيف الكاتب



أطيح بحافظ معياد من قيادة البنك المركزي اليمني بسابقة فريدة تمثل أقصر مدة قضاها محافظ بنك مركزي بالعالم، لتكشف عن حجم تغلغل ونفوذ الفاسدين واللصوص  في أعلى هرم قيادي باليمن. وهنا استسمحة عذرا باضطراري التجارب مع طلب الكثير من الزملاء والأصدقاء لتوضيح ما اعرفه عن اسباب استعجال التخلص منه بهذه السرعة وفي الوقت الذي كان الجميع متفاءلا بخطواته وجهوده وجديته لإنقاذ مايمكن من العملة وإيقاف عبث المضاربة بالعملة على حساب وطن ومصير ٣٠ مليون يمني.

ولذلك أجد نفسي مجبرا على كشف بعض تفاصيل مادار بيني واستاذي وصديقي المحافظ السابق للبنك، آخر يومين له كمحافظ،وحينما زادت مخاوف المتورطين بفضائح المضاربة بالعملة واشتدت هجماتهم الإعلامية الاستباقية المرتدة عليه،لإصراره على محاكمتهم وعدم الرضوخ لمساوماتهم واشتراطاتهم الرخيصة عليه،بالتخلي عن الملف، مقابل تركة يواصل مهامه الإنقاذية لما يمكن إنقاذه وتصحيحه داخل البنك،رغم إدراكه باستمرار مماطلة وتلاعب الرئاسة والنائب العام بالملف وعدم وجود اي نية لديهما لتحريكه قضائيا او حتى إعلاميا، نظرا لارتباط مصالح شخصيات نافذة وتورط قيادات اخوانية رفيعة واشتراك بنوك ومؤسسات مالية  وعائلات تجارية كبيرة في عمليات المصارفة غير القانونية وغيرها من جرائم غسيل وتهريب وتبييض الأموال خلال فترة العام الماضي خصوصا.

ولذلك حرصت على تقديم نصيحة صادقة له - كرجل دولة أعزه كثيرا وأتشرف بثقته بشخصي المتواضع وتقبله لكثير من أرائي المتطرفة ومنشوراتي الحادة عليه وبعض جوانب قصور إدارته للبنك ولإدراكي لكثير من التحديات التي واجهها في إدارته للبنك وحجم الصعوبات التي زرعت في طريقه من معه

نصحته أو اقترحت عليه بالأصح - قبل يومين فقط من صدور قرار إزاحته الصادم لكل من يدرك حتى أساسيات العمل المصرفي وخطورة المرحلة الوطنية القائمة- بكتابة منشور  رد موجز على متهميه بالاستيلاء على ثلاثة مليار ونصف من عمليات مضاربة بالعملة على طريقة سلفه زمام، يطلب فيه الرئيس والنائب العام وجهاز الرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد وكل الجهات المعنية، بالتكرم باغلاق ملف المضاربة بالعملة وإنهاء اي تحقيقات بالموضوع وفقا لرغبة واشتراط المضاربين والمتورطين كي يتركونا نكمل جهدنا الوطني الإنقاذي لتطبيع مايمكن من واقعنا المصرفي وإيقاف أنشطتهم التخريبية للعمل  وتجميد حملاتهم الإعلامية التشويهية لابتزازنا بمواقفنا واستهدافنا بشخصنا بسبب ذلك الملف المرفوع إليكم جميعا، مالم تفتحونه عاجلا وتقلبون صفحاته المجمدة لديكم منذ قرابة سبعة أشهر، حتى يدك لصوص أموال الشعب، حجمهم ويعرف الآخرين بحقيقتهم المخزية، ولكون من الاستحالة عليك ومن معك بمكان، الاستمرار في مهمة مستحيلة، وبذلك تكون قد أفحمت الخصوم بما يحاولون إخفائه وقدمت استقالة مبطنة تضع الرئاسة بين خياري: احترام فترة ال٦ الاشهر المتفق عليها مسبقا بينك و الرئيس لإنقاذ العملة او تحريك الملف ودعمكم في جهودكم الإنقاذية ومحاربة الفساد ومحاكمة كل المتورطين المشمولين بالملف المعزز بكل الوثائق والأدلة ونسخ من المذكرات الخاصة بتنفيذ تلك العمليات الفاضحة مصرفيا وقانونيا ومنطقيا وفق كل المقاييس الوطنية والأخلاقية.

و للأمانة فقد اقتنع سعادته بنصيحتي ليلتها وكاد ان يبلورها بطريقته قبل ات يتدخل احد مستشاريه لإيقاف النشر في اللحظة الأخيرة. ليعود للرد علي بجملة مؤجرة بعدها مفادها:أن الجماعة-اي من حوله يومها بالقاهرة-أبلغوه ان الرئيس سيزعل من المنشور.

وفي اليوم الثاني، أدركت ان قرارا انتحاريا وشيكا بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي، بعد توتر علاقة المحافظ بالحكومة حد القطيعة واستفحال أزمة غياب السيولة النقدية الأجنبية ورفض البنك صرف مستحقات شركات الطاقة المشتراة بعدن وحضرموت بحجة عدم تعزيز الحكومة للبنك بالدولار واستحالة قيامه بالمصارفة وشراء دولار من السوق كون ذلك سيطيح بقيمة العملة إضافة إلى استمرار تأجيل اجتماع أعضاء مجلس ادارة البنك المركزي ورفض انعقاده بالقاهرة وتوظيف بعض الأعضاء لذلك على انه تهرب من معياد عن مساءلتهم له وليس امتثالا لقانون انشاء البنك القاضي بعقد الاجتماع داخل مقر البنك أو استئذان الرئاسة مسبقاً، وكل ذلك تزامنا مع انطلاق التصعيد الحضرمي المطالب بتعزيز فرع المكلا بالسيولة المخصصة لحضرموت من عوائد شحنات النفط ومستحقات الطاقة المشتراة ووقود محطات الكهرباء ومرتبات المنطقة العسكرية الثانية للشهر الرابع وتداعي الحضارم لوقفة احتجاجية كبرى دعما للقرار الجاد من المحافظ البحسني بإيقاف تصدير النفط حضرموت حتى صرف كافة المستحقات وتعزيز فرع البنك بالمكلا بالسيولة الخاصة بحضرموت بعيدا عن أي محاولة تهرب مفضوحة او مساع غير قانونية لتعطيل دور فرع البنك المركزي بالمكلا.

ولذلك جددت عليه طلبي مره أخرى -قبل يوم واحد تقريبا من صدور قرار تعيين الفضلي محافظا للبنك- بضرَورة الرد على متهميه ونشر ما سبق ذكره مع عدم الالتفات لأي نصائح تأتي على حساب تاريخه وسمعته ومهامه الوطني كمستشار للرئيس ورئيس للجنة الاقتصادية ومستشار لأكثر من جهة مالية دولية، كون استمراره بمهمته أصبح بحكم المستحيل كون التخريب أصبح من اقرب من حوله مع اقتراح اخر لسعادته بأي إضافات تؤكد عدم تشرفه بالاستمرار بمهمته، في ظل تواصل صمت الرئاسة وفشل الحكومة وخذلان التحالف وتجاهل الجميع لضرورة إيقاف كل الفاسدين عند حدهم في مرحلة وطنية لاتقبل الصمت والتساهل.

ليرد علي يومها بأنه سبق وأن قرر مغادرة البنك مع نهاية فترة الستة الاشهر لولا خشيته على مصير العملة وعدم استكماله تنفيذ خطته الانقاذية للريال، وتأكيده بأن تفكيره أصبح في كيفية إقناع الرئيس بضرورة ادراك خطورة الامور وكيف تسير داخل البنك، وأعتقد أنه كان يخطط وحاول أكثر من مرة اللقاء بالرئيس على انفراد، غير ان هادي أصبح بحكم المغيب فعليا عن بلاده ويدار وفق التوجهات الحزبية والقناعات الشخصية لمن حوله ممن يقفون وراء قرار التخلص من معياد، كبداية للتخلص من تبعات ملف البنك الخاص بالمضاربين بالعملة،بينما أجزم أن هادي لاعلاقة له من أي ناحية بإزاحة مستشاره من قيادة البنك المركزي وهو الذي استعان به شخصيا ومنحه كل صلاحيات البناء ومحاربة الفساد بالبنك.

وخلاصة الخلاصة

ان قرار الإطاحة المبكرة بمعياد من قيادة البنك المركزي جاءت في وقت قاتل، يقف فيه البنك بأمس الحاجة إليه، وخلافا لأي توقع او تصور كون تعيين خامس محافظ للبنك في غضون ثلاث أعوام يبعث المخاوف لدى صندوق النقد والبنك الدولي والمؤسسات المالية والمصرفية بالعالم بعدم أهلية الشرعية وقدرتها على إدارة بنك مركزي حقيقي بعدن وتضارب المصالح المالية لقوى الشرعية وتصاعد خلافاتها حول من يدير بنكها المركزي الذي يتغلغل فيه فساد مالي وإداري استدعى تغيير أربعة محافظين منذ نقل البنك من صنعاء ناهيك عن استحالة تعزيز الثقة الخارجية بالبنك وتمكنه من إعادة تفعيل اي من قنواته الخارجية وتعاملاته الدولية مع البنوك والمؤسسات المالية العالمية التي ماتزال تقاطع اي معاملات مصرفية مع اليمن حتى اليوم. وكان الله في عون المحافظ الجديد للبنك أحمد عبيد الفضلي.