مقالات وكتابات


الأربعاء - 09 مايو 2018 - الساعة 09:51 م

كُتب بواسطة : سالم الفراص - ارشيف الكاتب


(سِبْل) ابنة جبل المقاطرة شبت بين نساء الجبل بأطرافه ومنعرجاته ومنخفضاته، محاطة بأدعيتهن لها بالحفظ والسلامة وتحريزهن لها بالنجاة من الحسد والعين.
سبل فتاة حط الحسن رحاله على ملامح وجهها وتقاطيع جسدها منذ الطفولة، وراح يلازمها عاكساً اصالة انتمائها إلى اسمها وغزارة نيل حظها منه.
سبل .. المطر الهاطل، وما على الشفة العليا من زغب، وسنبل القمح.
وامرأة سبلاء .. أي ذات العيون طويلة الهدب .. الخ.
بهذا وعلى هذا نمت وترعرعت (سبل) حتى أتى وعدها مع الزواج فتزوجت، وما ان أنجبت طفلها البكر (منصور) حتى امتلات بطنها بأخيه الذي توفي تحت وطأة ولادة متعسرة ليغادر الحياة بعده بأيام قليلة زوجها.
ومن هنا بدأت مشوارها مع الحزن والألم والفجيعة متذكرة نبوءات نساء جبل المقاطرة وإشفاقهن عليها من جمالها.
كانت قد ردت كل الأبواب عليها مكتفية بالعيش على ذكرى زوجها وطفلها المتوفيين، ومن أجل ابنها البكر (منصور) الذي مضت تمنع الأذى والعين والحسد عنه بتعريض نفسها لكل ذلك من أجله.
لم تنتبه إلى أنها قد اصبحت خلال ثمان سنوات امرأة مسنة رغم شبابها، كان لها أخ في عدن يعمل فيها وقد أراد أن يرحل بمنصور معه إلى عدن لينتفع به، ورغم تكرار مرات رفضها لمطالبه وإلحاح أخيها، إلا انها استسلمت في الأخير.
ورحل منصور وبقيت وحيدة تنتظر عودته بشغف وتوسل ولكن يبدو أن اللعنة التي اصابتها أبت إلا ان تلازمها وأن تتجسد بأكثر من صورة وشكل في حياتها.
أربعون سنة مرت منذ أن فارقها ابنها منصور (أربعون سنة) لم تعد تطمع بأكثر من تقصي أخباره والسؤال عن أحواله .. عرفت انه سافر إلى بلاد بعيدة اسمها بلغاريا وأنه ظل فيها ما يقارب الـ (12) عاماً عاد بعدها إلى عدن، ولكنه لم يفكر بالعودة إليها هناك حيث مسقط رأسه (المقاطرة). قبلت بكل ما يقال عنه ولكنها لم تحتمل حديث الناس والنساء خاصة أن منصور ابنها لم يتزوج وربما هناك شيء مريب يقف خلف ذلك.
عندها بيتت أمراً وأسرّته في نفسها ولم تكشف عنه إلا بعد أشهر، وقد رتبت كل شيء للانتقال مع العائدين من أبناء قريتها إلى عدن، وبالذات أولئك الذين الذين قد سبق لهم رؤيته والتعرف على مكان إقامته.
نوت سبل الرحيل إلى عدن في أحد صباحات شهر مايو ومعها بضعة أسمال و (كمبل) شبه جديد وصرة من المال ظلت تجمعه لهذا اليوم الذي ستذهب فيه لإنقاذه، لم تكشف عن سر نزولها إلا عندما أصبحت خارج القرية قائلة: (سأنزل عدن أزور منصور). وصلت سبل إلى التواهي حيث يعيش ابنها منصور ونزلت عنده في غرفة واحدة بحمام .. حاول إعادتها ولكنها رفضت كاشفة عن نيتها وأمنيتها من وراء نزولها وهي أن يتزوج. كانت تحمل في صرتها عشرين ألف شلن والبطانية موجودة وما عليه إلا ان يختار الزوجة التي يريد.
وفي أقل من ثلاثة أشهر كان منصور تُزف إليه عروسه وسط دموع فرحة أمه التي اصبحت تمتلك ما ترد به من لغط رجال ونساء قريتها .. وزاد من فرحتها يوم عرفت ان زوجة منصور حامل.
هنا عرفت أن العين قد كسرت ولم تستطع مواصلة إنزال البلاء، نعم ذهبت العين ولا بد أن تبقى تربي وترعى أولاد ابنها في عدن حتى واتاها الموت لتدفن فيها.. ماتت سبل مخلفة وراءها ابنها منصور ونسله الذين لا أحد يدري هل سينجون بعد غيابها من خبائث العين والحسد ام لا؟!!