مقالات وكتابات


الخميس - 13 يونيو 2019 - الساعة 07:46 م

كُتب بواسطة : د. جلال الفضلي - ارشيف الكاتب



سلمت قيادة السفينة اليمنية للرئيس هادي في 2012م، ليجد هادي نفسه يقود سفينة عريقة، 

صنعت منذ عهد قديم، تفتخر على السفن الراسية في البحار بعراقتها، وصلابتها، وجمالها، وعلو مكانها، لكن كل صاحب نعمة محسود، ورب جمال كان سبب حتف صاحبه.

فرح هادي بقيادة سفينة تتحلى بهذه الصفات، وغاب عن هادي أنه يقود سفينة عريقة مرغوبة من قبل قراصنة كثر، وأن لكل عين قرصان غاية، وتحتها الف حكاية، وأن قيادة السفن من أصعب المهام، فالنوم والغفلة محرمان على ربناها، فالبحر غدار، والقراصنة لا يرحمون، وحوت البحر لا يشم القلوب عند الهجوم، فالكل عنده غريم، سواء كان طيب القلب أم لئيما. 
إنه بحر السياسة مليء بالعراقيل، من لم يحسن اللعب فيه، يغرق ويغرق من معه.
ظن هادي أن المعركة ستكون سهلة مع قراصنة إيران، وأن العقل اليمني لن يقبل أن يكون أداة، ودليلا لأولئك القراصنة المتوحشين، فطبيعة النفس اليمنية لا ترضى بالاستعمار.
لكن نشاب القرصان المستهان به بدأت ترشق الربان الذي يقرأ المستقبل بغير حروف الماضي، 
وعلت السفينة ضفادع لا خبرة لها بالقيادة، فرقصت وطربت على متنها، وعلت المقود تقوده بغير اتجاه معين، فلا خبرة، ولا هدف، وإنما النقيق، والطقطقة والقفز هذا كل ما تحسنه، فسارت السفينة العريقة بتلك القيادة ترتطم بالجبال، يجرها أولو التخطيط إلى مثلث برمودا، والناس فيها يستغيثون، وينوحون، وقال الجيران لهادي نحن الأوفياء، والدم واحد، ومن آذاك آذانا، ولا يمكن للسفينة العريقة أن تغرق ونحن على الأرض عائشون، فكلْ لنا زمام الأمور، وسترى منا عليهم اليوم المشؤوم.

بدأت ليوث اليمن تزأر لتنقذ نفسها من الهلاك المنتظر،، وتحرر كبينة القيادة، وسارع الجيران يساندون ويدعمون، والناس في دعائهم مستمرون.

رجع هادي لكبينة القيادة،
يقود السفينة مع عطب في كثير من الأجزاء، ولازال النزاع مستمرا في المسير، والسير، إلا أن هادي أحس أنه مسير لا مخير، وأن بيده مقودا لا تأثير له في قيادة السفينة، لكن وقت الانتباه كان متأخرا، وبدأ المخفي يظهر شيئا فشيئا.

أدرك هادي أنه يلعب لعبة خطرة مع مهرة ومكرة، صُنعتْ بأيدي معلمي ابن زايد، درب عليها منذ وقت مديد، حتى صار من أمهر اللاعبين بها، وأن قراصنة إيران طعم لا غير، وأن خلف الكواليس ماخلفها. 
ظن هادي أن اللعبة سهلة، وأن الوقت قصير، و سن الخصم صغير، وعراقة السفينة ستقضي على كل طامع، فالضفدع لايلتهم الفيل.
لكن الواقع ينطق بغير ما في ذهن هادي، فالسفينة العريقة تمشي بدون بوصلة، والإبحار في بحر السياسة الملوث بالدماء من أصعب المهام، ومن غفل لحظة، سرقت منه حياته بأكملها، 
وأن العقل مع من حرّكه لا مع من أعقمه، بل إن معطيات اللعبة تنطق بهزيمة هادي، وذلك:
1-أن ابن زايد هو من صنع هذه اللعبة تحت إشراف معلميه ومربيه، فهو يعرف رموزها وطقوسها، ولا يملك خصمه سوى اللعب العشوائي.
2-حَكمُ هذه اللعبة خصم لهادي، بيده وقت انتهاء اللعبة، يأذن لابن زايد في استخدام كل القوانين المخالفة للعبة ويجرم هادي على أدنى مخالفة.
3-جنود اللعبة: اختار ابن زايد جنودا كلهم من ذوي الكفاءات، تجمعهم مصلحة دولتهم، وخدمة ابن زايد، فبكلمته يأتمرون، 
ولأجل وطنهم يخلصون، بينما جنود هادي لم تكن الكفاءة هي المؤهلة لهم للوصول إلى ذلك المنصب، بل مؤهلاتهم ما بين: مناضل، ضحى لأجلنا، ينتمي لحزب قوي، خلفه جماعة نستفيد منهم، يعرفه بعض من له القرار، فلان رشحه، ضغط علينا به، اختارته الدولة الفلانية ... إلى غير ذلك. وقليل من المؤهلين الناصحين.
أضف إلى ذلك، أن القليل هم من يعملون لأجل الوطنية، وغيرهم يعمل لأجل مصلحة خاصة، أو حزب، أو ناحية، ومن أمن العقاب، فليس عليه العتاب.
4-ابن زايد تلميذ لمدربين دوليين عمالقة في هذه اللعبة، فهو متبع لمدربيه، ومستشير لهم في كل صغيرة وكبيرة، و في كل صفعة قوية يوجهها لهادي بين حين وآخر، بينما هادي تاركا قمرة القيادة تمضي مع ريح القدر، حيثما أرادت أن تمضي.
5-حرّك ابن زايد كل الوسائل التي تلقي السلاسل على جسد هادي، وضرب ابن زايد النغمات المناسبة لفئات عدة ليكسب الولاء، وزرع جنودا لحماية تلك المآرب، ووضع في كل جزء لغما حساسا سريع الانفجار، ورسم طرقا للوصول إلى مبتغاه، 
إن حصل كذا فهذا، وإلا فهذا وهذا، ليجد هادي أن المقيدين له هم من رعيته، وبني جنسه، لكن ميدان المعركة يقول: إن لم تستفد من الجندي، فغيرك سيستفيد منه، ومن لم يحسن التهديف فليستقبل الأهداف.

أُدخِل هادي بسفينته إلى بحر لا يرحم، واستضافَ قراصنة اللعب معها هلاك، وليس مع هادي بوصلة ترشده لبر الأمان، وإنما العفوية، والقرارات المرتجلة التي تسببت في وصول سهام القراصنة لسفينته، التي حولت أجساد ركباها إلى أهداف تتسلى بهم، وما بقي من تلك الأجساد له لسان ينطق، ينادي بأعلى صوته أيها الربان: إلى أين تسير بنا، وأي هاوية تمضي بنا إليها.
يقهقه قراصنة ابن زايد، للنصر الذي حققوه، وقريبا تسلم لهم السفينة، بلا مدافعة، لتكون هدية للمعلمين، ويكون لابن زايد نصيب كبير منها، فقائدنا قد ضل الطريق، ويريد قطع سلاسل الحديد بمقص الحلاقة، والشعب بين جريح وغريق، والناجي شبح الأسر والذل والاستعمار ينتظره.
إذا كنت في سعد وخالك منهم ... غريبا، فلا يغررك خالك من سعد
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد.

فخامة الرئيس: لمن سلمت أمرنا، لسم قاشب، وسيل عرم، وحيات لا ترحم، موتنا عرسهم، وحياتنا غمهم؟! أهذا هو حسن التدبير منكم؟! هل ستجيبون الجبار إذا وقفتم بين يديه وسألكم عن كل شخص من هذه الرعية، بأنكم حافظتم على الأمانة الموكولة إليكم؟ أعن هذه القطرات التي سكبت، والأنفس التي أزهقت، والبلاد التي سلبت، سيكون جوابكم عند خالقها وربها والمنتقم ممن ظلمها، أنكم وفيتم معها، وحافظتم عليها؟!
فخامة الرئيس: لا زال في الوقت متسع لتدارك ما فات، وللبحث عن بوصلة النجاة، فلي الظهور حسرة في القبور، {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } .

أيها السادة: سفينة اليمن تغرق، وشعبها يستغيث، وكلنا خاسرون، فلا منتصر منا ولا مهزوم، فاليمن هي التي هزمت، ونحن من خسرنا، فما هي إلا دماؤنا تسكب، وأرضنا هي التي تسلب، وخيرنا هو من يقسم، فاستيقظوا من غفلتكم يرعاكم الله، فمن ظن أن الرحمة ستهدى من قلوب الذئاب، فهو الطالب من الصحراء سقيا، ومن المر عسلا. 
ياعقول الحكمة، ياقلوب اللين والرحمة، ياأهل النخوة والكرم والنجدة، ياذوي الأحلام والنهى، أيسركم مانحن فيه؟!
يا معشر الكرماء هل من رحمة … إنّ الغريق لعقلكم موكول
ياعقلاء الأحزاب، مؤتمر إصلاح، اشتراكي ناصري ووو... : لا كراسي لحزبكم على سفينة غير سفينتكم، فقدموا مصالح اليمن على مصالح حزبكم، وانقذوا بلادكم، وترفعوا عن لغة الكيد السياسي،والحقد الأعمى، فمصلحة البقاء فوق أرضكم أحرارا فوق كل مصلحة خاصة.

ياعقلاء الانتقالي، ياعقلاء الحوثة: اليمن اليمن، لا يكن همكم هم صاحب الليل أن يصبح وليكن ما يكون، فربما أصبح وهو في فم أسد يرديه ويهلكه، فليس بين الحي والميت ود.
ياخطباء المنابر، يا أرباب القلم والكلمة، ياصناع العقول: أدركوا السفينة.

يا أهل اليمن:
اتحدوا وحلوا قضاياكم بأنفسكم، ولا تكونوا أجسادا لعقول غيركم، هي من تأمر وتنهى، وهي من ترفض، وتشترط، وتوقع.
أوقفوا الحروب فيما بينكم، وحرروا أجسادكم من عقول غيركم، 
وفكروا بالعقل اليمني والحكمة اليمانية، 
ووالله ثم والله لأن تنفصل كل مدينة في اليمن لحالها يحكمها عقل يمني حر، أهون من أن نكون تحت وصاية الأعداء،
يلعبون بنا كيف شاءوا ويقتلون منا من شاءوا، ويعبثون بنا كيف شاءوا.
انقذوا سفينتكم.