مقالات وكتابات


الثلاثاء - 12 فبراير 2019 - الساعة 11:05 م

كُتب بواسطة : سعيد النخعي - ارشيف الكاتب



الأستاذ/محمد جميح أديب وليس سياسيًا،لذا كتب رسالته بلغة الأديب؛الذي يطوع الحرف لخدمة فكرته،ولم يكتبها بلغة السياسي الذي يسوق المعطيات لاقناع الأخر بما ذهب إليه .

انتقاده لهادي ،أو مطالبته له بالإجابة عن تساؤلاته؛ التي استعرضها وكأنها الغاز محيرة،في حين هي أشبه بالمسلمات التي يعلمها عوام الناس قبل خواصهم .

وجد هادي نفسه رئيسًا لليمن،لكنه ليس كالرؤوساء، إذ حكم بمنظومة غيره، لذا كانت أول من يبتزه،وأول من يتخلى عنه، وجاء عن طريق التوافق بين فرقاء الجامع الوحيد بينهم هي الخصومة،ودعم أقليم وجد ضالته في هادي؛كرئيس بلا مخالب،وهادي وجد ضالته في الأقليم ،وهي إطالة فترة حكمه،ولو على طريقة عبدالعزيز بوتفليقة .

حين حكم هادي بمنظومة غيره؛ كانت هذه المنظومة أول من يبتزه في الرخاء،وأول من يتخلى عنه في الشدة،فكان حضورها في بلاط هادي جسدًا ،في حين ظل عقلها وقلبها معلقًا بصالح،وظلت هيبة صالح وجبروته مهيمنة على أفراد هذه المنظومة حتى بعد موته،كخوف الجن من سليمان ،مع فارق بسيط أن الجن لم يتبيـّن لها موت سليمان إلا بعد أن رأت دابة الأرض تأكل منساته، في حين رأى هؤلاء زعيمهم مقتولًا،يعبث بجسده مجموعة من الصبية !

ولما كان التوافق هو من جاء بهادي إلى السلطة،ظلت قرارته توافقية،لذا ظلت حركة هادي لاتتعدى أسوار قوى التوافق،التي لايجمع بينها سوى العداء،والتربص ببعضها... عداء استبدٍّ بأطرافه،لدرجة أن كل فريق لم يتوقف عن التنكيل بخصمه،حتى بعد أن تبيَّن للمتصارعين أن نقاط جولات صراعهم تصب في مصلحة أعداء الثورة والجمهورية.

سقوط صنعاء،وهروب هادي،ثم خروجه من اليمن ،ثم تساؤلات لماذا لايعود هادي إلى اليمن؟ وكذا خسارة هادي،وتآكل شعبيته،وتحميله أوجاع اليمن،التي تكاثرت بطريقة تشبه تكاثر البعوض منذ قيام الثورةفي 62م حتى انتكاستها في2014م .

لا أبرَّئ هاديًا من كثير من الأخطاء القاتلة التي أرتكبها، كما لا أحمله أوزار سقوط بلد في أتون الفوضى،في حين يعلم الجميع؛ أن الذي أسقطها هو الحاوي الذي أوهم اليمنيين أن ترحيل أوجاع اليمن، وأزماته، نوع من الرقص على روؤس الثعابين،فأخرجته على الناس ملفوفًا؛برأس مهشمة،وهيئة مزرية،لاينطق بلسان متوعدًا ،ولايحرك سبابةً مهددًا .
ورث هادي تركة صالح،تركة مثقلة بالحقد وفجور الخصومة،اتفقت حقب الزمان حينا،وافترقت أحيانا أخرى، وفي حال اتفاقها وافتراقها ظلت القوى المتصارعة رهينة إرث أحقاد الماضي،الذي ظلت جذوته متقدة تحت رماد ستة عقود من الزمان،بعد أن ظن الجميع أنها خبت !

قُدر لهادي القادم من وسط جنوب اليمن،من خلفية مختلفة تمامًا عن خلفية المنظومة التي يقف على رأسها؛إذ لم يكن جزءًا من ماضيها،ولم تكن هي جزءًا من حاضره،فظلت هي مشدودة إلى الماضي،في حين ظل محاولًا جرها إلى الحاضر،فلا هي استطاعت جره إلى ماضيها،الذي تستمد منه أحقادها وضغائنها ،ولا هو استطاع جرها إلى حاضره الذي لايمثل لها سوى استراحة محارب،تلتقط فيه أنفاسها ، كلما أنهكها الصراع .

خرج هادي من اليمن،وخرجت هذه القوى خلفه،مخلفة وراءها كل شيء، إلا ماضيها المثقل بالأحقاد،ليجد هادي نفسه،ومعه القوى التي خرجت خلفه،في ركب تقوده بلد علاقتها باليمن هي أشبه بعلاقة القوى اليمنية فيما بينها، إذ لم تغادر هي أيضًا مربع الماضي بأحقاده وأطماعه،ليجد هادي نفسه على رأس تحالف هو أشبه بتوليفة من المواد الخطرة،التي لايجوز جمعها في مكان واحد، فوجد نفسه في الرياض أمام نفس المعضلة التي كان يعاني منها في صنعاء، ولكن بشكل أكبر،فلا استطاعت اقناعه بأطماعها،ولا استفاد هو من قربه منها.

وحين تبيَّن لهادي أن تحالفه مع القوى المحلية والأقليمية بات غير مجد، وقف حيث أرادت منه هذه القوى أن يسير،في المقابل حصرته هي في المكان الذي حددته له ، لذا ستظل الأزمة اليمنية تراوح مكانها،إلا أن يلج هادي مربع الأطماع الأقليمية، أو غرق هذه الأطماع في لجج بلد لم يعد فيه شيئًا يستحق المغامرة .