مقالات وكتابات


الثلاثاء - 13 مارس 2018 - الساعة 01:21 ص

كُتب بواسطة : احمد ناصر حميدان - ارشيف الكاتب


من أقوال المفكر والفيلسوف الشاعر ادونيس , استحالة أن يكون التغيير الثوري تحريراً إلا أذا كانت الجماعات التي تقوم به قد تغيرت هي نفسها وتحررت , جماعات تعيش الوعي المتحرر جذريا كضرورة لعملية التغيير , دون ذلك يرى ادونيس انه لا يكون التغيير إلا تحريكا للمستنقع يقذف إلى السطح بمزيد من الكسور والوحل والرداءة ، ولن يؤدي ذلك التغيير سوى لأشكال أخرى من العنف والقمع والتسلط والهيمنة والتخلف والجهل .

واقعنا اليوم شمالا وجنوبا المشحون بالصراعات والخصومة الفاجرة هو امتداد لماضينا , بل تصفية حساب ذلك الماضي , بسبب المأزومين في مأزق الماضي , غير جديرين بتجاوزه,لا قادرين على التغيير الذاتي ولن يستطيعون تغيير الواقع العام .

نفتقد للوعي الكافي لتتغير وتغيير , فتصدر المشهد الجهل والتخلف , وغابت روافع الثقافة والفكر وأدواته الناعمة حاملة مشروع الدولة ,لتتسيد روافع العنف والصراع والمنطقة والمذهب والطائفة حاملة مشروع ألا دولة .

فتمكن المغرضون وأعداء نهضة ورقي البلد والطامعون فيه , من استثمار هذا الواقع , وتغذية العداوة والخصومة الفاجرة بيننا , فشغلونا عن البناء بمزيد من الهدم , هدم المجتمع وأدواته السياسية وتنوعه الثقافي والفكري , ففقدنا القدرة على الحوار والتخاطب الأخلاقي مع بعضنا , تهنا عن هم الوطن وهم المواطن , في هموم أنانية ضيقة , فغابت كل الحقائق , لتبقى حقيقة واحدة واضحة هي الموت ونزيف الدم , فتتضخم التراكمات والثارات , والظلم والاضطهاد والانتهاكات , وإركاع وإخضاع وإذلال الأخر .

لا يمكن أن يكون ذلك من صنع أصحاب الحق ,للحق قوة كامنة في حججه , لا يحتاج لعنف ولا مليشيات , هذا الواقع من صنع الباطل الذي يفتقد للحجة فينتزع ما يريده بالقوة والعنف والفوضى تخدمه

فداحة الكارثة بإيمان بعض النخب والمكونات , أن عدوهم من يختلف معهم ويخالفهم الرأي , حتى تحول هذا المختلف لشماعة الفشل والإخفاق والانتهاك وممارسات قذرة لا يقبلها عقل ولا منطق .

العقلية الغبية هي التي تعتقد أنها الوطن وممثله الوحيد , وعلى الجميع السير خلفها أو هم أعداء وخونه , عقلية توصم الناس بأهوائها المريضة , والذهنية المصابة التي لا تستطيع العيش دون خصم وصراع سلبي مدمر وصنم يعبد ومستبد وطاغي يطاع , عقلية ترتمي في حضن الارتهان والتبعية لتصل لهدفها , لا قيمة لها دون ممون ومخرج ما لم يكن محلي فيكون خارجي يرسم لها السيناريو .

القبح الواضح في هذه الذهنية في ثقافة الكراهية والنفور والازدراء من الأخر , ترفض الديمقراطية كمبدأ وثقافة , بتجريم الحزبية , ورفض التعددية , والتكتلات الفكرية والثقافية , لترسخ تكتلات مناطقية وطائفية ضيقة , يحملون فكر شمولي ويؤسسون لنظام دكتاتوري كمستبدين وطغاة .

الوعي القادر على استخلاص النتيجة ويقرءا الواقع وينظر للمستقبل , يرفض هذا المسار , فيتهم بشتى التهم القذرة التي صارت اليوم علامة مسجلة لهذه الذهنية , إخواني داعشي , إصلاحي , دحباشي , حتى صار العقل والمنطق يسخر من كل ذلك الهراء .

يظل الإنسان حر في توجهاته السياسية والفكرية , حر في الرأي والرؤى التي يطرحها , حرية يضمنها الدستور والقانون وأدبيات و وثائق الدولة والأحزاب والمنظمات الحقوقية والاجتماعية الوطنية والدولية , ومن يجرم الحق يرتكب خطاء جسيم , الجريمة يحددها القانون والدستور .

لابد أن تقتنع هذه العقلية بحجم الكارثة التي تصنعها من تداعيات سلوكها , بالوعي الذي سيخلصها من الغباء والجهل المسيطر عليها وهو مصدر ضلالها وفقدانها لحقيقة الأمور . ما يجعل حكمها على مختلف القضايا حكماً خاطئاً لا يستطيع مقاربة عين الصواب بأيّ شكلٍ من الأشكال , مستندا على مغالطات وحشوا وتحريض وتأليب , ما نحتاجه وعيا مرتكز على الثقافة والعلم والتجربة , للإيمان بالحوار كوسيلة للحسم , لندرك جيد المصالح العامة بعيدا عن الأنانية المفرطة , والكسل العقلي الذي لا يجتهد في التفكير والاستنباط , فيسهل انقياده وتوجيهه , بالإشاعات والمغالطات وتزييف الحقائق , ورسم صورة ذهنية تأسره نحو وهم , والنتيجة أصبح الإرهاب ضالتهم في وصم الآخرين ومبرر للانتهاكات ,و وسيلة سياسية لمحاربة الخصوم وتهمة العصر لكل من يختلف معهم أو يعارض قناعتهم .

ولله في عباده شئون