مقالات وكتابات


السبت - 01 ديسمبر 2018 - الساعة 11:53 م

كُتب بواسطة : د. جلال الفضلي - ارشيف الكاتب


اتصل بي أخي وصديقي الدكتور عبد الله حسان يخبرني عن إصابة الأستاذ الدكتور الشعيبي رئيس جامعة تعز وقتل مرافقه من قبل أناس مجهولين، كان يكلمني وعبراته في معركة مع حروف نطقه، والحسرة والحزن التي تشارك زفيره تقطع قلب المستمع. حينها تذكرت تلك الجلسة التي جمعتني بالأستاذ الدكتور الشعيبي في بيت الدكتور عبد الله بمدينة الرباط -حرسها الله من كل سوء- وفيها قص علينا قصة طريفة حصلت له في أثناء زيارته لمسقط رأسه بالشعيب بالضالع، حينما مر بنقطة عسكرية منعته المرور؛ بحجة أنه تعزي شمالي (زعموا)، وكان يضحك عليهم ويردد: أنا جنوبي ضالعي، إلا أن أفراد النقطة مصرون على عدم التجاوز لأنه شمالي، ولم يخرج منهم إلا بريالات ساعدته على تغيير جنسيته في عقولهم، كان يذكر القصة وهو يضحك. فقلت له يا دكتور: ألا ترى أن هؤلاء - العقليات ليس البلاد- معذورون؛ لأنهم لم يعرفوا لغة العلم، لم يعرفوا كتبا تربي العقل وتنضجه، فهم يرون البندقية هي التي تحقق لهم كل ما يتمنونه، وتوصلهم إلى ما يطلبونه، يرون حملها شرفا، وحمل الدفتر ترفا؟ فأنتم أغلقتم عنهم الجامعات، وتركتموهم للجهل يعض عقولهم ويلتهمها، ليغرقوا في بحر الظلمات!

فقال لي: صدقت! إلا أننا لم نغلق أبواب جامعتنا أمام أي طالب، بل سهلنا لهم الصعب، وقربنا البعيد، وأخذ يشرح لنا بعض الإنجازات التي انفردت بها جامعة تعز، وكأس الشاي قد تسمر في يدي، وأنا منصت، ومستمتع لما يقول، فوجدت نفسي أمام عملاق من عمالقة العقل والعطاء والجد والبذل، رجل محشو بعقول كثيرة وكبيرة، يسعى لتحويل جامعته من كليات هادئة إلى محركات تغيير مركبة وقوية وعطية. بل وتستمر في صعودها معانقة للسحاب، ومنافسة للجامعات العالمية المشهورة ذات السبق.

أدركت أن الرجل في سباق مع العقول العظيمة، يعمل بكل جدية ليحقق مبتغاه، ولك أن تعجب كيف مضت جامعة تعز تعمل ويتوافد الطلاب إليها، بل وتبرز مع وجود فوهات المدافع على رأسها، وعزف الرصاص يزاحم أصوات الدكاترة في الفصول، ولا معين لهم بعد الله إلا هذه العقلية التي استطاعت أن تجمع الكل على كلمة واحدة، وأن يكونوا يدا قوية تحطم السدود العظيمة، سائر بهم إلى بر الأمان، ومتخطي الأمواج الهائلة والمعيقة.

لكن، هذه العقليات محكوم عليها بالإعدام في وطني، فإن أرادت العيش فلتقعد على كراسيها، ولتكن عنصر هيليوم (he) لا تنشط إلا عند وجود المادة النقدية تأكل وتمرح، وإلا فخفافيش الدجى التي لا تحب النور، وتتمنى زواله، ترقب كل عامل وصانع ومبدع، وكل من سهل بلوغ النور للعقل البشري.

مهارة وعقلية سنمار كانت السهام القاتلة له، وجمال ذيل الطاووس قصم ظهره، وصوت البلبل كشف مكانه للصياد، وعقلية وإنجازات الشعيبي هي التي جذبت أعين المجرمين إليه، وسعت نفوسهم للقضاء عليه. فحدوا شفرتهم وهم يستبقون إليه، أيهم يأتي برأسه قبل أن يقوم سيدهم من منامه.

سيرتاح الأسد، وسيعود لعرينه يزأر كما كان، وسيبقى صرح جامعته شامخا أبيا يحرم على الحمر البشرية دخوله والوصول إليه، ولتمت تلك الخفافيش بغيضها، فالحافظ الله.

القصة التي حكاها لسان الدكتور هي التي نعانيها اليوم، فهل سيعلم قومي قيمة القلم، وضرر الجهل؟ وهل سيعي المتكاسلون من معلمي الابتدائية والثانوية والجامعات أنهم بتقصيرهم يصنعون لنا قطاع الطرق؟ وهل سيعلم الآباء الذين يفرحون بجهل أبنائهم أنهم يربون لنا أفاعي تلدغ كل صالح؟
وهل سيعلم الساسة أنهم حينما يعطون كراسي النفوذ لمن ليس هم لها أهلا، يحكمون على شعبهم بالموت البطي؟

كتبه د: جلال الفضلي.