مقالات وكتابات


الخميس - 27 سبتمبر 2018 - الساعة 08:29 م

كُتب بواسطة : د. جلال الفضلي - ارشيف الكاتب


بالأمس استلمت خبر استشهاد جاري وصديقي، صاحب البسمة، والكلمة الطيبة، والعقل الرزين، واليد التي تعمل للخير في الخفاء الأستاذ رمزي الصغير، تذكرت محادثة جرت بيني وبينه على الواتساب، قبل أشهر مضت، وأنا أسأله عن الوضع في عدن، ختمت هذه المحادثة بقولي: انتبه على نفسك.

قال وهو يضحك كعادته وباللهجة العدنية: ( ماحد يدور نحنا، أنتم المستهدفون يامشائخ)!

لم يعلم الأستاذ رمزي أن (السنّة الفرعونية) تطبق في عدن حذو القذة بالقذة، فتلاميذ فرعون في كل عصر يظهرون، وينشطون، وعلى صراطه يمضون، ولقاعدته يطبقون ( سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم) – أي نبقي نساءهم بدون أولاد، ولا أزواج- هذه السنّة تتلقنها القلوب الشريرة، فتحاول تطهير البقعة التي تعيش فيها من كل صالح، لأنه في نظرتهم المعكوسة، والمنكوسة غير صالح للعيش معهم، كما قال سلفهم في لوط عليه السلام ومن معه (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) نعم لا يريدون القلوب الزكية، والعقول المنتجة، والقوة الفعالة، واليد المعطاء؛ لأنهم في نظرهم هم المفسدون كما قال معلمهم: ( ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).

عشر طلقات تتوجه لصدر معلم بريء لا يوجد في جيبه إلا قلم التعليم، لم كل هذا الحقد؟ حقيقة لا أستغرب هذا ممن تجرد من كل عاطفة بشرية، وانسلخ من كل معاني الإنسانية، ألا ترى أساتذتهم في الإجرام حينما يسمعون بولادة طفل من بني إسرائيل يسابقون الريح في الوصول إليه، فإذا وصلوا نزوعه من القابلة أو من أمه؛ ليكون أول ما يراه ذاك الصبي من الحياة خناجرهم الملوثة بالدماء، وكأني بهذا الطفل الوديع الذي يظن أن هذا السكين ثديا يقدم له من قلوب رحيمة، يفاجئ بأنه في يد قلوبها أقسى من الحجارة، تسقيه الموت بدلا من الحليب الذي ينتظره من أمه الحنون، فلا يشفع عندهم صراخ الصبي، ولا دموع أمه، وتقبيل أقدامهم عن فعلهم اللئيم. فلا غرو أن نرى تلامذتهم اليوم على طريقهم سائرون، ولشرهم يقلدون.

لاتقف مهمة تلاميذ فرعون بعدن على عالم شريعة، ولا على معلم، ولا على طبيب، ولا على محام، بل تطهير عدن من كل مصلح، بل من كل من يخالف نهجهم، ويتطهر عن إثمهم. ألا ترون انتشار المخدرات في عدن بكثرة؛ كل ذلك ليطهروا الأرض -في زعمهم- من كل صالح، ويسعون في إنشاء جيل لا يعرف مسجدا ولا مدرسة، ولا صلاح ولا فضيلة، إلهه المعبود هي المخدرات يأتمر بأمرها، وينتهي بنهيها، فيكون دمية في يد كل فرعون يسخره لكل ما يريد.

يبذلون كل ما بوسعهم لتدمير وترحيل هذا الشعب المسكين، يريدون أن تكون عدن مدينة الأشباح والفوضى، والدمار، فلا مدرسة، ولا جامعة فاتحة للتعليم أبوابها، ولا مشفى يعالج الأبدان من دائها، إلخ.
ولكن هيهات هيهات لما يطمعون، ويؤملون، فإنهم (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، والبعد لتحقيق مناهم كبعد نزع الملح من ماء البحر، فقد رفع هذا الشعب الأعزل أكفه إلى السماء، وعلق قلبه بمن قال لموسى عليه السلام ( إن معي ربي سيهيدن)، فإن عاد تلاميذ فرعون إلى بيوتهم يمرحون ويضحكون، فإن لهم يوما تراه الأعين وهم يبكون ويئنون، وكما أضرموا في قلوب النساء والأطفال حرقة الأسى والحزن وفقد الحبيب، سينالهم منها أوفر الحظ والنصيب.
ونابش الموتى له ساعة تأخذه انبش من نبشه
والبغي صراع له صولة تستنزل الجبارَ من عرشه