مقالات وكتابات


الأحد - 11 أبريل 2021 - الساعة 04:48 م

كُتب بواسطة : أنيس البارق - ارشيف الكاتب




عبثاً أحاول منذ أشهر استخراج بطاقة هوية شخصية دون جدوى. لدي بطاقة قديمة انتهت في 2018 لكنها لأسباب غير مفهومة أو كانت غير مفهومة، لا تثبت هويتك بمجرد انتهاء آخر يوم بمدة صلاحيتها. يمكنك أن تقسم أيماناً مغلظة لصاحب المرفق الذي طلبها منك أنك أنت نفس الشخص الذي كان يحمل البطاقة في اليوم السابق وكانت المعاملات تسير دون مشاكل، لكن كل هذا لا يجدي نفعاً. "لازم بطاقة مش منتهية" هكذا يتكرم عليك بالرد دون النظر في عينيك، وفي داخله شعور بأنه أكثر كرماً من حاتم الطائي.

لملمت احترامي المبعثر في المرافق الحكومية وغير الحكومية وقررت استخراج بطاقة جديدة بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن "الكروت" أو "العظم" كما يسمونها، موجودة ومتوفرة، وأن قصة "الاستبيان" توقفت وأصبحت من الماضي، وأن عدن الآن عاصمة تديرها مؤسسات يرأسها قادة محنكون.

يغرق مبنى الأحوال المدنية في بحر من العشوائية والفساد، ومثل أي مرفق حكومي فإن الرطوبة قد أكلت ما تبقى من الجدران المتهالكة، والعناكب بنت بيوتاً ضخمة لها في زوايا السلالم والمكاتب المتعفنة بأوراقها المتراكمة فوق بعضها وعليها آثار بصقات التمبل ومسحات الشمة وأشياء أخرى مقرفة لا تعلم ما هي، وفي تقاطعات الممرات الضيقة والمظلمة وعلى أبواب بعض المكاتب يقف أشخاص بأزياء عسكرية مختلفة، لا تعرف إلى أي جهاز ينتمي صاحبها، أو إلى أي دولة أصلاً، يفرضون رسوم عبور، تماماً مثل قطاع المرور الذين ينتشرون في الشوارع ونسميهم تمويهاً "شرطة مرور"، فلا يمكنك في مبنى الأحوال المدنية الدخول إلى المكتب المطلوب إلا بعد أن تدفع "الحلاية"، وهذه الحلاية سعرها يتراوح بين 500-1000 ريال.

أتممت إجراءاتي، عبأت استمارتي المطلوبة، ودفعت رسوماً هنا وهناك، بعضها لا سندات لها، لكنني دفعتها لأنهم قالوا إنها "رسوم"، وبعد أن تدخل الرسوم في درج المكتب، فإنك لا تستلم أي سند إثبات.

خلف كاميرا التصوير في غرفة التصوير يجلس أناس يتعلمون التصوير، لا يطلبون منك شيئاً، ولا تعرف أنه قد تم التقاط صورة لك، وهذا هو ما يفسر استياء 99.9% من المواطنين من صورهم في بطائق الهوية الشخصية.

خرجت أخيراً من المبنى، وأنا أقبض بيدي ورقة صغيرة عليها رقم مرجع، ومعلومة بالعودة بعد أسبوعين، ومنحتهم أضعافها ثم عدت إليهم.

في إحدى البوابات سألت عن المكان الذي يجب أن أذهب إليه لأخذ بطاقتي، وليس للتقديم لبطاقة، ولأن لا أحد يعلم كيف تدار هذه البلاد، تقاذفني الكثيرون ذهاباً وإياباً، صعوداً وهبوطاً، إلى أن وصلت إلى غرفة صغيرة يطل من شباكها شاب في العشرينات، قال لي بابتسامة ودودة:

- مافيش بطاقة لك.

سألته باحترام "ليش يا طيب؟ أنا كنت هنا في الشهر الفلاني وقد مرت فترة أطول من المفترضة"، فأجاب "تعال بعد سنة"، صرخت مذهولاً: سنة!، قال لي ببرود مبتسماً "على الأقل سنة"، تركته وانتقلت للنافذة المجاورة، قالت لي البنت الموظفة "لازم تجيب استعلام هل طبعوا لك بطاقة أم لا"، جرجرت نفسي وأعصابي إلى الطوابق الأعلى للحصول على الاستعلام المذكور، بعد أن انتهى الموظف من المزاح مع أحمد، ومضاحكة خالد، والاستماع إلى نكتة سعيد، والاتفاق مع إبراهيم على مكان التخزينة، طبع معلوماتي في جهاز كومبيوتر من العهود الرومانية أو الإغريقية، وأعطاني ورقة مكتوباً فيها أرقاماً وأشياء لم أقرأها لأنني فسرت أن حصولي على هذه الورقة يعني أنني حصلت على قرار الطباعة، ونزلت إلى الشباك الأول حيث يجلس الشاب في الأسفل، أظهرت له الورقة على سبيل المكايدة والفخر بالانتصار، نظر فيها سريعاً وابتسم ابتسامته الساخرة، تركته وانتقلت إلى الشباك الثاني، قالت لي الموظفة:
- هذا يعني بنعطيك استبيان مش بطاقة.
= ولكني طلبت بطاقة، مش استبيان.
- ما فيش بطايق، معك استبيان تشتيه شله.
= ليش استبيان، ممكن أفهم؟
قالت الموظفة إن المتقدمين "الجدد" يتم منحهم استبيانات فقط، وهي ورقة فيها معلومات الهوية، لكنها ليست كرت بطاقة.

سألتها (وكل هذه البطايق اللي أمامك؟)، أجابت (هذه بطائق المتقدمين في 2016 و 2017، حتى 2018 مافيش معهم بطايق، وانت قدمت في 2021 وتشتي بطاقة في 2021؟).

قلت لها إن بعض من أعرفهم صدرت لهم بطائق شخصية في أقل من شهر، خلال هذا العام، أجابت ببرود (هؤلاء مشوا أمورهم).

عرفت لاحقاً إن #اللي_مشوا_أمورهم دفعوا 25 ألف ريال يمني للسماسرة، وإن استخراج البطائق الآن تجارة وسمسرة يمارسها الكل، حتى حلاق الشعر الذي أحلق عنده في شارع الكدر، يمارس السمسرة، قال لي ببرود هو أيضاً (إدفع تحصل بطاقة عظم، ما تدفعش يعطوك استبيان، وانت وخراجك).

- نسخة إلى اللواء سند جميل / رئيس مصلحة الأحوال المدنية

أنيس البارق