مقالات وكتابات


الثلاثاء - 25 فبراير 2020 - الساعة 08:06 م

كُتب بواسطة : محمد مرشد عقابي - ارشيف الكاتب


الديمقراطية مصطلح يوناني مؤلف من لفظين الأول (ديموس demos) ومعناه الشعب والآخر (كراتوس kratos) ومعناه سيادة فمعنى المصطلح سيادة الشعب أو حكم الشعب وهي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة في اقتراح وتطوير واستحداث القوانين وإدارة الدولة وهي على النقيض من الديكتاتورية أو الاستبداد التي يمسك شخص واحد فيها بزمام السلطة أو عدد قليل من الأفراد يستحوذون على السلطة ويستأثرون بالمقدرات.

ومصطلح الديمقراطية تم نحته في مدينة أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد حيث كان حق التصويت في اتخاذ القرارات فقط للرجال الاصليين من سكان أثينا وهم أحرار في التصويت والتحدث في الجمعية العمومية وبمرور الزمن تغير معنى "الديمقراطية" وارتقى تعريفها الحديث كثيراً منذ القرن الثامن عشر مع ظهور الأنظمة "الديمقراطية" المتعاقبة في العديد من دول العالم.

ويعتبر الشعب من اهم المباني الفكرية للديمقراطية فهو مصدر السلطات، وانتشرت الديمقراطية في أوروبا لتبرير انتقال السلطة من أمراء الإقطاع ورجال الكنيسة الذين استبدوا بالأمور إلى الشعب أو من يحكم باسمه ومن ثم برزت نظرية "سيادة الشعب" على اعتبار أنه "مصدر كل السلطات".

ويرى الإسلام بأن مصدر السلطات أولاً وبالذات لله تعالى لكونه خالق الكون والمالك الحقيقي ومن بيده تدبير الأمور ومصير الأنسان والعالم بما ينفعه ويضره وما يشتمل عليه ربوبيته تعالى وتوحيده الأفعالي في التشريع والحاكمية، قال تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} بخلاف فكرة السيادة الشعبية فأنها فكرة غير ثابتة وغير قابلة للإثبات لأن ما قامت عليه هذه الفكرة هو مجرد مجاز وافتراض صنعه الفكر السياسي الغربي.

ويعد الشعب مصدر التشريع ففي النظام الديمقراطي سلطة إصدار القوانين والتشريعات من حق الشعب أو من ينوب عنه، والتشريع والحكم لله تعالى وحده باعتباره الخالق الحكيم العليم كما في قوله تعالى : "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ"، بينما الديمقراطية ترى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الشعب)، وصدور القوانين عن شهوات الناس ومصالحهم والاعتماد على رأي الأكثرية، وتعد ممارسة السلطة باسم الأغلبية محور النظام الديمقراطي وجوهره والحق في نظر الديمقراطية هو ما تقرره الأكثرية وتجتمع عليه لا غير، ويرى الإسلام بأن الحق لا يعرف بكثرة مؤيديه ولا حجية للأغلبية ولا للسواد الأعظم وقد ذم القرآن الكريم الأكثرية كما في الآيات التالية : {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}، {أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}، {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}، {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}، {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}, {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}, {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ}، {وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}، {أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، {أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}، {أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}، {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ}.

وإطلاق الحريات للأفراد والجماعات في مجالات الاقتصاد "الرأسمالية" والسياسة والأخلاق والاعتقاد "الليبرالية" وتضمن حرية الاعتقاد حق الفرد في الإلحاد وحرية السلوك الشخصي بينما "الليبرالية تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى، الباعث والهدف، الأصل والنتيجة في حياة الإنسان"، "فالليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه تسلط الدولة وتسلط الجماعة لذلك نجد الجذور التاريخية لليبرالية في الحركات التي جعلت الفرد غاية بذاته، والإسلام لا يقبل إطلاق الحريات بلا ضوابط فالحرية في المجتمع الإسلامي مبنية على آداب وتعاليم الشرع وحدوده وما يملي على الانسان من التزامات وواجبات وسنن وهي مقيدة بمراعاة تقوى الله ومخافته في السر والعلن وفي الغاية والوسيلة فالإسلام لا يعطي الحق للإنسان في أن يرتكب ما يشاء من محظورات (أخلاقية، واجتماعية، وفكرية، وسياسية، ومالية) ثم بعد ذلك يصبغ على تصرفه هذا الشرعية والقانون أو باعتبار حقه الشخصي وخصوصياته التي لا حق لأحد أن ينكرها عليه لكن الله تعالى يقول : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الأنعام.

دور الأمة في القرآن الكريم يتمثل في البيعة لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، ثم تاتي الشورى لقوله تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} التي تعطي دور للأمة في المشاركة بالحكم من خلال إعطاء آرائهم ومقترحاتهم في القرارات الحكومية، حيث أن القرار في الشورى ثمرة حوار وتشاور بين أهل الاختصاص يهدف إلى الإجماع أو الاتفاق على حل يحوز الإجماع أو يرضي الأغلبية بسبب اقتناعهم بأدلته وأحقيته وفائدته، فالشورى حوار فكري وجهد عقلي ومنطقي يؤدي إلى القرار الصواب والوصول إلى الحق.