مقالات وكتابات


الأحد - 09 فبراير 2020 - الساعة 02:15 ص

كُتب بواسطة : جمال مسعود - ارشيف الكاتب



في كل دولة من دول العالم هناك اهتمام في جانب التسليح الحربي وهو حاجة من الحاجات الضرورية واللازمة لتأمين البلد وحدودها واستقرارها وبذلك تسخر كل دول العالم ميزانيات تتفاوت بحسب التهديدات التي تتخوف منها فتنفق في التسليح الحربي بناء على الوضع السياسي للدولة داخليا وخارجيا فاستيراد السلاح والصفقات العملاقة للتجهيزات الحربية وخاصة عند وجود تهديدات مباشرة فان الدولة تتوقف عن كل الانفاق لتستفيذ من الاموال والدعم في توفير الاحتياجات الدفاعية والهجومية لحماية امن وسلامة وسيادة الدولة من الاعتداءات الخارجية او الازمات الداخلية الناتجة عن التمرد والانقلاب .. والتعليم هو احد المتضررين من تداعيات تلك التهديدات فيصيبه ما يصيب الدولة بالشلل التام في كل مجالات الانفاق لصالح الانفاق على التسليح الحربي فتتوقف انشطة التطوير والتدريب ويتم الاكتفاء بالتعليم في مراحله البسيطة والاعتيادية دون تكاليف اضافية فيستمر العمل بالحد الادنى من الانفاق عل التعليم بسبب الاحتياج الملح للانفاق على التسليح وهذه حالة تتشارك فيها كل دول العالم دون استثناء

تضطر بعض الدول لايقاف العملية التعليمية بقرار رئاسي او من هيئة الاركان تقديرا للاوضاع الامنية التي تمر بها البلد ويراعى قدر الامكان الاستفادة من الانشطة التعليمية في الاماكن الآمنة وفي كل الاحوال تحرص كل دول العالم على تأمين وسلامة المعلمين واستقرار اوضاعهم المعيشية في الحرب والسلم لتستمر العملية التعليمية لاحقا عند استقرار الاوضاع الامنية وعودة الحياة الى طبيعتها ثم تتغير اتجاهات الانفاق الحكومي عندما تنتهي الازمة وتعود الحياة من جديد للاستقرار وتنتهي التهديدات الامنية الداخلية والخارجية وتتوجه جهود الدولة لتعويض ومعالجة الاضرار التي لحقت بالعملية التعليمية من ترميم للمنشاءات التعليمية وفي الاغلب لايصيبها ضرر الا بطريقة غير مباشرة كونها محاطة بثقافة الحروب والمنازعات بالقرب من المنشاءات والمصالح العامة التي لا تتعرض لها العمليات الحربية لانها مصالح عامة وملك للاجيال المتعاقبة ويبتعد عنها كل طرف من الاطراف المتصارعة حربيا ، كما قد تلجأ الدولة الى تقديم الدعم النفسي للمعلمين عبر التعويض المادي والمساعدات المالية لتحسين اوضاعهم المعيشية نتيجة تداعيات الازمة وجبر الضرر وتشجيعهم على الاستمرار بوتيرة وهمة عالية متناسين الازمة والحروب . في بلد كاليمن حالة مختلفة عما هو متعارف عليه في كل دول العالم العربي والغربي فالتسليح يسابق التعليم ويتغلب عليه في السلم قبل الحرب وفي فترة الاستقرار قبل التوتر والصراع والحروب فالدولة اليمنية منذ نشأتها في عام ١٩٩٠ م قامت على انشأ المدارس والمعاهد والاكاديميات العسكرية والحربية واستأثرب وزارة الحرب بنصيب الاسد في الموازنة العامة للدولة العسكرية فصار الاهتمام بالتعليم فائق الكلفة والانفاق عل التسليح العسكري الخاص بالمدارس والمعاهد الحربية على حساب المدارس والمعاهد والجامعات المدنية فدفنت وزارة الحرب وزارة التربية والتعليم تحت بنود الموازنة العامة للدولة وحماية امن الدولة وسيادتها فتأخر التعليم وخرج المعلم من المدرسة يبحث عن وظيفة دعم ومساندة لتوفير احتياجاته الاسرية وخاصة بعد تسكينه في هيكل للاجور والمرتبات لينتشر في بلاد اليمن المعلم الخباز والمعلم سائق التاكسي والمعلم الجرسون في المطاعم والمعلم الخدماتي في بوابات العمارات السكنية لتوصيل احتياجات الاسر الغنية بل ان العديد من المعلمين فكروا بالخروج من المدارس ليلتحقوا بالمدارس الحربية للقوات المسلحة والامن لما فيها من امتيازات ومكانة اجتماعية فراتب المعلم في مدرسة التربوية ٥٠ الف ريال بينما راتبه في المدرسة الحربية ١٨٠ الف ريال اضافة الى التغذية والدواء وسيارة الطقم العسكري والمرافقين ، كل هذه امتيازات للمعلم الحربي عن المعلم التربوي ، وتكاد تكون المدارس التربوية تخلو من الابداع والتطوير والكفاءات التعليمية الرسمية الا ما كان منها جهود ذاتية ونوازع اخلاقية وقيم شخصية عند بعض المعلمين ممن نذروا انفسهم فداءا للعملية التعليمية في وقت الخذلان لقيمة التعليم والوفاء لقيمة التسليح وظهرت خلال الفترة الماضية لاكثر من ثلاثين سنة حقيقة التنافس بين التعليم والتسليح من خلال مخرجات كليهما

فبسبب توقف الاهتمام بالتعليم على حساب التسليح شهدت العملية التعليمية ولاول مرة في تاريخها وبالذات الاعوام مابين ١٩٩٠ م الى ٢٠٢٠ م ادخال مصطلحات لم تكن متداولة في صرح التعليم المستقر قبل ذلك فمصطلح تراكم مستحقات المعلمين والاثر الرجعي وتأجيل الصرف وسقوط الاسم من الكشف وخطأ في رصد البيانات ولجنة لمعالجة الاخطاء اضافة الى مصطلحات الاضراب والوقفة الاحتجاجية والتوقف عن التعليم ومسيرات المعلمين والاعتصام في ساحة المدرسة وعصيان طلابي في المدرسة كلها مصطلحات مشهورة سياسيا على مستوى العالم لكن الغريب في الجمهورية اليمنية هو دخولها ساحة وزارة التربية والتعليم واقتحامها للعملية التعليمية في المدارس والثانويات وفي ظل الاوضاع الامنية المستقرة قبل الحروب والازمات

ان تعثر العملية التعليمية قبل الحروب والازمات ومعها واثناءها وبعدها هي حالة دائمة ومتجددة تهز العملية التعليمية وتهدد اركانها بين الحين والآخر وهي ليست متعلقة بالحروب وتداعياتها او الازمات السياسية وتقلباتها هي حالة تعبر عن اهتمامات الدولة وتوجهاتها الساعية للتسليح لا للتعليم فلم تعالج الدولة منذ العام ٢٠٠٥ حتى يومنا هذا قضية من قضايا التعليم الا بعد ثورة وانتفاضة واضراب ووقفات احتجاجية .. عن ماذا يعبر ذلك غير تعبير واضح وصريح عن موقف الدولة من التعليم. فماهي مشاريع التطوير التربوي ومفاهيمها التي حققتها الدولة غير تعليم مضطرب وتعليم غير متوازن يشبه حاله في الحرب حالته وقت السلم متدهور في كلتا الحالتين اوضاع المعلمين ازمة فاقت كل الازمات ومعضلة تشبه تنفيذ الاتفاقيات السياسية المتشعبة تعثر واخفاف وفشل وعجز دائم ذاك لان الدولة حققت مشاريع تطويرية للتعليم الخاص بالتسليح وليس بالتعليم والتربية فارق كبير بين التعليم والتسليح اختارت فيه الدولة صراحة وبكل وضوح منذ مابعد ١٩٩٠ م خيارا آخر لتوجه التعليم الحكومي وهو التعليم بالطابع العسكري والمتعلق بالتسليح فمدارس الجيش والشرطة هي من ارقى المدارس واكثرها حداثة وتطوير وانفاق ودعم وتدريب وتاهيل ومخرجاتها عالية الكفاءة والقدرة والمستوى المعيشي الفاخر لكوادرها التعليمية تفوق بكثير وكثير المدارس والثانويات التابعة لوزارة التربية والتعليم التي تم تسخير الانفاق فيها لصالح البدلات والاحذية والسفريات والانشطة التعليمية الارستقراطية وانفصام الشخصية التعليمية بين الحقيقة والواقع فبدلا من التسليح بالعلم وجدنا العلم بالسلاح وبدلا من التعليم والانفاق عليه وجدنا التسليح والانفاق له . فلقد اختارت الدولة التسليح بدلا عن التعليم فلطالما خرج المعلم يصرخ ويحتج يطالب بحقوقه ولا من مجيب . فمن سيجيب .؟ وزير التربية والتعليم ام رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة فعلى سبيل المثال يقدم وزير التربية عرض لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بطلب زيادة او حافز او اكرامية للمعلمين بمناسبة عيد وطني او مناسبة دينية تثور الدنيا ولاتوجد ميزانية والبلاد في حالة اقتصادية سيئة ثم ياتي وزير الدفاع ورئيس الاركان فيطلب دعم مادي وميزانية اضافية لشراء معدات عسكرية حديثة بمئات المليارات فيتقدم رئيس الوزراء بمقترح طلب قرض لدعم رئاسة الاركان في حالة عدم الامكانيات ولا تدري مانوع الاحتياج العسكري واهميته فطلباته مستجابة فالدولة لاتنفق الا على التسليح فلماذا ينازع التعليم هيئة الاركان .

خمس سنوات تعليمية رغم الازمة تخرجت فيها خمس دفعات من الثانوية العامة بدون انفاق على التعليم ومطالب المعلمين حبيسة تحت الطاولة لم ينظر اليها وغوضاع المعلمين تزداد مأساوية ، بينما خمس سنوات من التسليح الحربي ولم يخرج الانقلابيين الحوثيين من جبهة واحدة الا وعادوا اليها من جبهة ثانية ليستعيدوها ويغنموا منها كل ماأنفقت عليه الدولة في التسليح والانفاق على التسليح يشمل قيمة السجائر والقات والشمة والحبوب المهدأة ومناديل المرحاض والبدلات العسكرية المضادة للازعاج ، تعليم في الحد الادنى مطلوب الاستمرار فيه حفاظا على مصالح الطلاب بحسب مزاعم السلطة العليا في البلد عام بعد عام وعلى المعلمين الاستمرار في تقديم الحد الادنى من التعليم ولو تقديرا للطلاب وليس تقديرا للعلم بمايمكن تقديمه واستكمال العام الدراسي باي طريقة مهما كانت العوائق والعقبات فهذا هدف سام ونبيل والمعلم بامكانه تقديم دور المعلم المتوازن والمستقر ولو في مشهد تمثيلي يستكمل العام الدراسي هذا وله الحق ان يعود للاضراب بداية العام القادم كل هذه نتائج ومخرجات التسليح والانفاق عليه الذي قضى على القناعات والثوابت واستبدلها بالحاصل والمتوفر والممكن فعله في ظل الظروف والازمات

عفوا ايها السادة. احترموا التعليم فهو كل لا يتجزأ والمعلم محور الارتكاز فيه وعموده الفقري فاعطوا المعلم حقه واستوفوه وقدموا للتعليم كل ماعندكم من امكانيات وادفعوا بابنائكم الى مدارس وثانويات دائمة ومستقرة ولاضير في ان نضحي بيوم او يومين من الجراح ليطيب لنا بعد التشافي ان نقبل على التعليم بصدق ووفاء واخلاص وتقدير واحترام للتعليم وللمعلم

فلنخفف من التسليح لصالح التعليم فقد اوشك سلاح العلم ان يصدأ ونخشى عدم فاعليته في محاربة الجهل حينها لن نستفيد من استيراد السلاح الحربي فهو لايحارب الجهل فسلحوا ابناءكم بالعلم والمعرفة وادفعوا بهم في مدارس تربوية وليس متارس حربية فمدرب واحد عسكري والمترس الخاص بكل محتوياته الحربية من الاسلحة والعتاد يكلف ميزانية مدرسة برواتب معلميها وقيمة كتب الطلاب

فلا تعاتبوا المعلم عندما وضع القلم في جيبه واغلق كراسة تحضير الدروس وحمل حقيبته وغادر المدرسة متجها الى ساحة الاحتجاج يصرخ يطالب بحقوقه فلقد بدأ يفكر بالالتحاق بالجيش مدربا في المتارس فلم يعد يرغب بالعمل معلما في المدارس فهل ستقبل سيادة القائد رئيس هيئة الاركان معلم حاصل على شهادة البكلاريوس في الجغرافيا والطبوغرافيا العسكرية ومتخصص في الهندسة العسكرية يحمل رتبة فخرية رقيب ثاني في الخدمة العسكرية قبل ثلاثين عاما ويرغب بالالتحاق بالمتارس بدلا عن المدارس وبالتسليح بدلا عن التعليم فالانفاق عندكم في هيئة الاركان افضل من وزارة التربية وفيه يحسن اوضاعه المعيشية التي لاتقدم مهنة التعليم في المدارس عشر معشار ماتقدمه مهنة التسليح للمتارس .. ام انكم ستعيدون النظر في وظيفة المعلم كي يعود هو وزملائه من جبهات الحرب الى مدارس العلم فان التسليح قد سابق التعليم فسبقه ففاز التسليح وخسر التعليم فاحسنوا تدريب المعلمين وتغذيتهم كي يفوزوا في السباق لاحقا