اخبار وتقارير

الخميس - 27 سبتمبر 2018 - الساعة 09:21 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/أ. صالح القطوي

إلى الأمس القريب كانت الأزارق تتصدر مديريات محافظة الضالع زراعيا وخدميا فكانت ملاذ المحتاجين من بقية المناطق في منتصف القرن الماضي، قال شاعرها الشعبي:
*كانت لزارق للكل مفتاح النعم*
*نشرب ونأكل من لقمها والعصيد*
وإلى وقت قريب وهي على هذا الحال حتى أن الشاعر القطوي يتغنى بها من أرض المهجر قائلا:
*صباح الخير يا وادي لزارق*
*ثُنَى وارباع مِنـــّي ألف مَرَّه*
*صباح الورد ذي بالحيد فاتق*
*صباح أزهارها مِن كلِّ زهره*

أي أن السهل والجبل منها مُفعمٌ بالجمال والخضرة بدليل قوله: *(صباح الورد ذي بالحيد فاتق)* حتى أن الشباب حينها لم ينخرطوا في مؤسسات الدولة حبا بخيرات أرضهم، ورفض الآباء تعليم الفتاه ومنعوا الأبناء عنه خارج المنطقة إلا القليل منهم، فتركوا المدارس وتـمّ تجنيدهم إجباريا، وبدأ الجفاف منتصف الثمانينيات وبدأت الكوارث تتوالى. ...
وبدخول اليمن الجنوبي الوحدة اليمنية مع شمال الوطن وما رافقها من موجةِ جفافِِ شديدِِ بدأت النكسات تتكاثر على م/ الأزارق ـ يبس السهل والجبل، وتلتها الحروب والتسريح والتقاعد وضنك العيش، والنكبات التي بدأت *الأقـلام* هذه الأيام تناولها بين *معترفة* بحقيقة تدهور حال المنطقة انطلاقا من الواجب والضمير الإنساني الذي يملي عليها الاعتراف بذلك الواقع، وبين *أقـلامِِ أخـرى منكرة* لحقيقته ومعتزية بنفسها حفاظاً على سمعة المديرية وضمير أبنائها الجمعي.
ونزولاً عند دماء شهدائها وجرحاها، ولا سيما وهي قدمت الكثير منهم فداء للوطن طيلة الصراعات الحربية - يمنياً، والمظاهرات السلمية لأجل الوطن والجنوب. ..
وتضاعفت تضحياتها بأبنائها خلال هذه الحـرب الأخيرة حتى عرفت بـ *(مديرية الشهداء)* بين سائر مديريات الضالع إن لم يكن الجنوب كله، وكأنهم وجدوا في الحـرب ضالتهم ومخلصا لهم من الفقر وهروبا من الجفاف وحلا لمعاناة أهلهم، بعد أن شحت الأمطار *(وبلغت القلوب الحناجر)* نَفَقَتِ الماشيةُ وتراجعتِ الزراعةُ وجفتِ الآبار. ..
نعم ضاعفت تضحياتها بشبابها ضد الحوثي ومليشياته انتصارا للحق والمعتقد، ورفضاً للاحتلال والإذلال، وتمسكاً بقضية الجنوب - عروبته واستقلاله ومعتقده. ..
ضحّت بأغلى ما تملك فلذات أكبادها *(إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى)* فلم تبقَ محافظة من محافظات الشمال والجنوب إلا *والدّم الأزرقي* مُزِجَ بترابها فتضرجت بهِ شاهدا لهم ودليلا على بسالتهم ، ولا مديرية إلا وجهد أبطال الأزارق ينزف دماً ويتصبب عرقاً فيها، *(ربّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّه)* كلُّ ذلك كان سببه ابتغاء العزة لله ورسوله، مقرونا بالأسباب ومنها الجفاف وعدم انخراط أهلها لا في تجارة ولا في وظيفة حكومية قبل التحاقهم عسكريا خلال سنوات الوحدة وحروبها لاعتمادهم على الزراعة والماشية. ..
عشرون عاما وأكثر قضاها شباب الأزارق مع دولة عفاش منهم من قضى نحبه - على كثرتهم- في حروب صعدة مثل الشهيد البطل/ توفيق صالح مثنى، ومنهم من وَجَد فيها ضالته فاسترزق منها يومه وعاد *بخفي حنين*، ومنهم من حُرِم الشيئ الكثير وهم غالبية أهلها ـ شيوخا وأطفالا ونساء، اللهم من تلك الصدقات المسيرة من هنا وهناك باسم (صندوق شؤون الرعاية الاجتماعية) صندوق السُّكَات وجمعيات الإصلاح الخيرية، ولكلِِّ فيهما مذهبه السياسي ووجته التبعية في الدعايا والحزبية والانتخاب. ...
كل هذا مورس على أهل الجنوب - والأزارق نموذج - فأبقوه على قيد الحياة تحت رحمتهم وتصرفاتهم وهم على ثقة بأنه سيأتي اليوم الذي سيترحم فيه الناس عليهم، فلم يسلم من شرهم جار ولا شقيق.
لكن هؤلاء لا يدركون خطورة المد الإيراني وأدواته الخبيثة وأجنداته الطائفية وتبعاته الكارثية، وإن مسهم لغبٌ وجوع هذه الأيام الخاليات فهم وراء ذلك كُله، حتى ظنوا أنهم سيفرقون بين المرء وزوجه بتقيتهم، والله فاضحهم، بجنود لا قبل لهم برغم تداعي الأمم على أصالتنا. ..
وبحلول المنظمات الإنسانية ضاعفت معاناة الأزارق فقرا وتهميشا ومجاعة بسببها ظهرت فئتان: فئة مستفيدة - وهي التي بيدها أوراق التنسيق مع تلك المنظمات الدولية وهذه الفئة تتكون من الوكلاء والمدراء والتجار والمشايخ ومن يدور في فلكهم من أقربائهم وبطاناتهم. ..
وفئة محرومة تماما وهي الضحية التي تكتب عنها الأقلام عبر وسائل الإعلام وتتلقاها السهام فتصيب منها القريب مِن عمّالها وتخطئ كعادتها البعيد من المعدمين، ولو عَدَلَت المنظمات بفحص تقاريرها وسجلاتها لحلّت كل سلبيات الواقع ومعضلاته، أو لو عدل مُنسّقوها وتركوا لغيرهم شيئا مما تبقى لغيرهم لما بقي فقيراً ولا محتاجا. ...
حرم شهداءٌ من مكرمة سلمان وجرحى وحلّ محلهم الموتى من أقرباء اللجان والقيادات الميدانية والمدنية، فلا صدق ولا أمانة والمملكة تدفع ثمن الخيانة إرضاء لله ودينه. ...
السؤال أيّ إنسانيةِِ تتحدث عنها الأمم المتحدة ومنظماتها وهي تعطي رقاب الفقراء للأغنياء وعلى رأس أغنيائها موظفيها الذين يستلمون *نصيبهم* وأقرباءهم وفوقهما *راتبين*: *راتب حكومي* بالريال اليمني *وراتب آخر بالدولار* الأجنبي.؟
والبكاء والعويل لبعض الأقلام باسم الجوع والمجاعة ـ وهي فعلا كذلك ـ والفهنة والتدفئة والراحة بآخر الموديلات لموظفيها زيادة في إخلاصهم لها، إلا ما رَحِم ربّي، وطاح الوطن والأزارق بحجم معاناته قدمت تضحياتها، والضحية يظل ضحية الفقر والفكر، ومع كثرة العائل وقلة الزاد زاد جشع الميسورِ على المعسرِ لغياب الرقابة والمحاسبة من قبل الدولة نفسها. ...
فتقوا الله يحببكم الله. ...
➖➖➖➖➖➖➖➖➖