أخبار محلية

السبت - 18 يناير 2020 - الساعة 11:12 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية /تقرير_محمد مرشد عقابي


العلاقة الأميركية ـ التركية تتخذ منحى تصادمي هذه الأيام بعدما كان البلدان حليفين في الناتو طوال 70 سنة تقريباً، لكن هذه الشراكة بين البلدين تدهورت تدريجاً في السنوات القليلة الماضية حيث بدأت واشنطن تشكك بمصداقية تركيا كحليفة يمكن الإتكال عليها، من جانبها اشتبهت أنقرة بأن الولايات المتحدة لا تأخذ مخاوفها الأمنية على محمل الجد، وفي آخر ستة أشهر من الآن تدهورت العلاقات بين البلدين بدرجة غير مسبوقة، واتسعت الهوة بين أنقرة وواشنطن في الملف السوري، ويرى بعض الخبراء والمحللون السياسيون بان تعاون عدد كبير من الجنود والمسؤولين الأميركيين عن قرب مع مجموعة من المقاتلين الأكراد السوريين طوال سنوات في خضم معركتهم ضد "الدولة الإسلامية" أو تنظيم "داعش" هو ما جعلهم يمتعضون حينما شاهدوا ترامب وهو يعطي أردوغان الضوء الأخضر لغزو شمال سوريا، وبسبب التوغل التركي تحول آلاف السكان المحليين إلى لأجئين ما أدى إلى زيادة قوة إيران وروسيا في سوريا واعطاهما الفرصة للعبث بالملف السوري.

نتيجة لذلك اضطر الأكراد شركاء الأميركان السابقون لتوثيق علاقاتهم مع الطاغية بشار الأسد بشروط ترضي نظامه وفي الوقت نفسه لا يستطيع المسؤولون الأميركيون ادعاء عدم فهم الدوافع وراء التحرك التركي، وكانت معارضة أنقرة القوية للدعم الأميركي لـ"وحدات حماية الشعب" (الجماعة الكردية السورية التي قدمت أكبر المساهمات في الحملة ضد "داعش" في شمال سوريا) واضحة منذ البداية، وكانت علاقات تلك الوحدات مع "حزب العمال الكردستاني" في تركيا (تعتبره أنقرة وواشنطن معاً تنظيماً إرهابياً) وهو ما يعني أن تركيا لن تقف مكتوفة اليدين فيما تعمد الولايات المتحدة إلى تسليح وتدريب جماعة تعتبرها مصدر تهديد على وجودها.

بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق مع أنقرة لتنفيذ تحرك عسكري مشترك في سوريا خلال العام 2014م أقامت واشنطن شراكة مع "وحدات حماية الشعب" وسط اعتراضات تركية قوية وأعلن المسؤولون الأميركيون أن التعاون مع هذه الوحدات سيكون "موقتاً وعملياً وتكتيكياً" لكن سرعان ما بدأت هذه العلاقة تتخذ شكلاً من الاستمرارية فقد تقرب عناصر القوات الأميركية الخاصة من نظرائهم الأكراد في الخنادق ودعم الدبلوماسيون الأميركيون مشاريع إعادة الإعمار في المناطق السورية التي يسيطر عليها الأكراد.

ورغم إطلاق مسار ديبلوماسي لتقليص مخاوف أنقرة الأمنية سئم أردوغان من تباطؤ إيقاع المحادثات وكثف ضغوطه في هذه المسألة حين تكلم مع ترامب عبر الهاتف في شهر تشرين الأول وسرعان ما وافق الرئيس الأميركي على التدخل العسكري التركي، الكونغرس من جانبه يزيد ضغوطه في هذه المرحلة ولم يبقى من العلاقة بين البلدين إلا الرابط الشخصي والمتبدل الذي يجمع الرئيسان، علماً أن كليهما يتعرض لنوبات عاطفية ويميل إلى اتخاذ قرارات إرتجالية ومتسرعة، وتبدلت مواقف ترامب بطريقة متطرفة فانتقل من التعبير عن تعاطفه مع الموقف التركي وإعجابه بأردوغان إلى التهديد بـ"تدمير ونسف" الإقتصاد التركي، كما حذر أردوغان من التصرف "بحماقة" وحين سعى ترامب إلى الحفاظ على روابطه الوثيقة مع أنقرة تجاهل بذلك آراء عدد كبير من مستشاريه وأعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، أما أردوغان فيبدو أنه مقتنع بقدرة ترامب على حماية تركيا من غضب الكونغرس وأي عقوبات حادة هذا ما فعله الرئيس الأميركي حتى الآن عبر رفض تنفيذ العقوبات التي فرضها الكونغرس والتعبير علناً عن تعاطفه مع المواقف التركية لكن قد تعكس هذه القناعة حسابات خاطئة على نحو خطير، ورغم عقد اجتماع ودي ظاهرياً بين ترامب وأردوغان في البيت الأبيض في 13 تشرين الثاني من العام المنصرم أعلن ترامب بعده أنه "معجباً جداً" بالرئيس التركي، ومرر مجلس النواب ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة قانون إقرار الدفاع بأغلبية ساحقة وهو يدعو إدارة ترامب إلى فرض عقوبات على تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات "كاتسا" الذي يهدف إلى منع البلدان من شراء معدات دفاعية من روسيا بسبب تدخلها في الإنتخابات الأميركية عام 2016م وفي 11 كانون الأول صوتت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لصالح حزمة من العقوبات المنفصلة (18 صوتاً مؤيداً مقابل 4 أصوات معارِضة) بما يشبه العقوبات التي سبق وأقرها مجلس النواب الأميركي لمعاقبة أنقرة على تحركاتها في سوريا بموافقة ترامب قد يصوت مجلس الشيوخ على حزمة العقوبات هذه قريباً.

*استمالة تركيا ضرورة*

يرى الكثير من الخبراء والمحللين بانه للمضي قدماً بأفضل طريقة يجب أن يكلف الرئيسان كبار الديبلوماسيين باستكشاف حلول عملية للأزمات المفتعلة بينهما بعيداً عن صخب السياسة، ويستطيع نائب وزير الخارجية الأميركي الجديد ستيفن بيجون والسفير الأميركي في تركيا ديفيد ساترفيلد والممثل الخاص في سوريا جيمس جيفري وهو سفير سابق في تركيا التعاون مع نظرائهم الأتراك الذين يريدون بدورهم الحفاظ على العلاقة بين البلدين لرأب صدع ما حصل من فجوات بين البلدين مؤخراً، لكن إطلاق حوار مماثل لا يعني زوال الحاجة إلى اتخاذ قرارات أكثر صعوبة، وتتجه تركيا حالياً إلى استعمال نظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400"، ويفترض أن تطلق هذه الخطوة ردة فعل أميركية حازمة وصارمة، ويجب أن تنفذ الولايات المتحدة قانون "كاتسا" لكنها تستطيع على المدى القصير أن تتجنب أقسى التدابير في هذا التشريع على غرار الإمتناع عن منح تراخيص التصدير لبيع الأنظمة الدفاعية، محللون مهتمون بهذا الشأن يؤكدون وجوب أن لا تقدم إدارة ترامب أي تنازلات حول الطائرات المقاتلة الأميركية "إف-35" إذا استعملت تركيا النظام الروسي الذي اشترته وشغلت راداراتها بالكامل، كما يؤكدون وجوب أن تمنع من استخدام برنامج "إف-35"، ولو تحقق هذا السيناريو يتعين على واشنطن أن تعمل على عزل الأضرار وان تحافظ على العلاقة الدفاعية وان تضمن تخلي تركيا عن شراء أي أنظمة دفاعية أخرى من روسيا.

على صعيد آخر يرى محللون وخبراء سياسيون اميركيون وجوب أن تحصل نقاشات منفصلة ومتواصلة مع أنقرة حول مستقبل سوريا، مشيرين الى ان الولايات المتحدة خسرت جزءاً كبيراً من قوتها ميدانياً غداة انسحابها واستيلاء روسيا على الأرض التي كانت "وحدات حماية الشعب" تسيطر عليها سابقاً لكن لا تزال قواتها وقوتها منتشرة في سوريا ويجب أن تتابع دعم الجهود الرامية إلى تطوير حكم مستدام ونشر إجراءات أمنية مشددة في البلاد.

ويرى الخبراء والمحللون ذاتهم بانه عندما سمح ترامب لتركيا بغزو سوريا منعاً لنشوء كيان كردي مستقل فانه يتعين عليه أن يستفيد من علاقته مع أردوغان للتشجيع على استئناف محادثات السلام التي بدت واعدة سابقاً بين الحكومة التركية و"حزب العمال الكردستاني" لأنها الطريقة الوحيدة لحل المسألة الكردية، وازاء ذلك قد يتولى الكونغرس دوراً أكثر أهمية في سوريا ويجب أن يفكر المشرعون ملياً بالأهداف التي يريدون تحقيقها عبر العقوبات المرتبطة بسوريا عدا عن تأديب أردوغان أو ترامب بكل بساطة، ويجب أن تهدف العقوبات إلى منع أي سلوكيات سيئة مستقبلاً بدل أن تكتفي بالإعتراض على التجاوزات الماضية التي من بينها إقدام تركيا على غزو شمال سوريا بموافقة ترامب وهي الحقيقة التي لا يمكن تغييرها.

وقال محللون سياسيون ودبلوماسيون آخرون بانه يجب أن يهدد الكونغرس بفرض عقوبات مستقبلية لتحقيق أهداف عملية وقابلة للتنفيذ كالإقرار بعقوبات يسري مفعولها إذا انتهكت تركيا أو القوى التي تدعمها حقوق الإنسان أو إذا اقتحمت مدناً كردية في معظمها أو أرسلت قواتها إلى ما وراء "المنطقة الآمنة" المتفق عليها على طول الحدود بين سوريا وتركيا، لافتين الى ان تلك العقوبات قد تعطي نتائج إيجابية في حال تم ربطها بأهداف كالإنسحاب التركي السريع من سوريا بالشكل الذي يطالب به التشريع الحالي.

تستطيع الولايات المتحدة أن تقدم الحوافز لتحسين سلوك تركيا في الوقت نفسه يجب أن تحاول تقوية الجوانب غير الشائكة في العلاقة بين البلدين منها جهود توسيع المبادلات التجارية مع الإحتفاظ ببند حقوق الإنسان على الأجندة الثنائية وهذه الخطوات ستكون بالغة الأهمية لتقوية العلاقة بين البلدين على المدى الطويل، ولا يبقى القادة الوطنيون في مناصبهم إلى الأبد بعد الخسائر الكبرى التي تكبدها حزب أردوغان في الإنتخابات البلدية في السنة الماضية ونشوء أحزاب جديدة بقيادة حلفائه السابقين حيث بدأ الأتراك للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات يتخيلون مستقبلاً مبنياً على قيادة مغايرة وهذا حلمهم المنشود، ويواجه ترامب بدوره استحقاقاً انتخابياً في شهر تشرين الثاني المقبل ما يعني احتمال ظهور قيادة مختلفة وإطلاق بداية جديدة في البلدين.

تركيا بلد ذات أغلبية مسلمة وموقع استراتيجي مؤثر وهي تشكل ثاني أكبر جيش في حلف الناتو ورغم توتر علاقتها مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن إلا ان المصالح الأميركية ستتأثر حتماً إذا انهارت العلاقة بين البلدين بالكامل أو إذا أصبحت تركيا خصماً حقيقياً للولايات المتحدة، ولن تستفيد من تعمق الفجوة واتساعها بين البلدين إلا الأطراف التي تريد إبعاد تركيا عن القوى الغربية بما في ذلك إيران وروسيا لذا يتوجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تتجنب هذه النتيجة بأي شكل من الأشكال.