حوارات وتحقيقات

الأحد - 18 أغسطس 2019 - الساعة 11:19 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب/بروفيسور/ أيوب الحمادي

في " ٧ مايو" في عام ١٩٤٥ إستسلمت ألمانيا للحلفاء فى دار مدرسة صغيرة هى مركز قيادة الجنرال "أيزنهاور" و كانت حطام لا يبدو عليها انها كانت دولة، و الشعب في مختلف اطيافه كان في حالة خوف, و إحباط, و صدمة , و إنهيار تام بعد الاستسلام بدون مغالاة.

الحزن في كل بيت و كل اسرة. قتل منهم ٧ مليون فرد كنتيجة مباشرة للمعارك داخل الحدود الألمانية منهم ٣,٣ مليون عسكري مع نهاية عام ١٩٤٦م. و ليس ذلك و حسب فقد كان هناك اكثر من ٤ الى ٥ مليون معتقل منهم في سيبريا يقاسون العذاب, و الذين لن يعود الكثير منهم و لن يرو اهلهم، قتل منهم ١,٥ مليون في معسكرات العمل السوفيتي**، و اخرين عند الامريكان . منازل بل مدن و بعض القرى كاملة سُويت بالأرض ، قوات الحلفاء و بالذات الامريكان حملوا معهم العلماء و البرامج البحثية، ام الروس فاكتفوا بالمصانع و الآلات و الكنوز. تم مصادرات المال و الحاضر و المستقبل، حتى لا يقوم بعدها قائمة للالمان مرة اخرى.

لقد دُمرت البُنية التحتية بشكل كامل حتى لم يظل حجرا على حجر في مدن مثل همبورج و درزدن و مجدبورج كما كان. تم تقسيم بلدهم إلى أربع مناطق محتلة، جمعت فيما بعد القسمة الأمريكية و البريطانية و الفرنسية لتشكل في ما عرف بألمانيا الغربية، و عرفت القسمة السوفيتية بألمانيا الشرقية. تم فصل النمسا عن ألمانيا و قسمت هي الأخرى لأربعة مناطق محتلة، و التي عادت لتتحد، حتى عاصمتهم تم تقسيمها الى اربعة اقسام ايضا.
اما مابقى من الشعب فكان عبارة عن نساء و أطفال و شيوخ. اما الرجال فجزء كبير منهم قتلوا و اخرين في الاسر في سبيريا و غيرهم و جزء مصابين او مشتتين، إنتشرت فكرة الإنتحار بين كثير من النازيين و الاحباط، كثر اغتصاب النساء و الاغتيالات، لكن رغم ذلك لم تنكسر العزيمة عند نسائهم و شيوخهم في تصحيح فكرهم النازي و سلوكهم الخاطيء و الذي اوصلهم الى ماهم عليه.

ثم تلاها فكرة النهوض من الباقيين على قيد الحياة، ليس بصراخ الكنائس و دعوات المنابر او الانتظار لامر السماء، و انما بمعطيات و امكانيات الواقع الجديد و فكر اخر منفتح دون التباكي على الماضي، في غياب تام للحكومة و وجود محتلين اجانب و عدم و جود مال او حتى موارد اقتصادية بعد ان صودرت بلدهم. ثم تمخضت بعدها خطة مرشال لتعمير اوروبا ، و التي سوف نفرد لها وقتها منشور اخر.

بعد الحرب بدأ النساء و الشيوخ و الاطفال في المانيا بجمع الأنقاض لإعادة بناء البيوت و جمع الأوراق و الكتب من تحت البيوت المهدمة من اجل اعادة عجلة الحياة الى الدوران بعد ان توقفت. بدأو بفتح الحضانات و المدارس و المعاهد حتى لا يضيع الاطفال بين ركام الماضي و الخراب و الشوارع، و ليس كحالنا نترك اولادنا في كل صراع في الشوارع. كتبوا على بقايا الجدران المحطمة و حفظوا في انفسهم شعارات تثبت الأمل عند الصغير قبل الكبير و تحث على تقديس العلم و العمل، مثل لا تنتظر حقك إفعل ما تستطيع ، إزرع الأمل قبل القمح، كل ذلك من دون خطابات طويلة و مكررة او دينية في بهوات الكنائس. هذه النغمة عيشتها انا معهم في اسلوب اخر في ٢٠٠٣ و٢٠١٣م عند حدوث الفيضانات في مدنهم و قراهم، و التى تظهر عفوائية نسائهم و رجالهم في التفاني في العمل التطوعي من غير انتظار مقابل هنا او عند الرب. كانت الفترة الاولى بعد الحرب تضميد الجراح و بناء البيوت و المدارس و الجامعات بالأمل و الإيمان و العزيمة و المثابرة، فصنعوا النجاح بمعطيات و اقعهم. فاطلق العالم على النساء الالمانيات في تلك الفترة نساء المباني المحطمة.!

بدأ الامل يعود الى الناس بإصرار نسائهم و حكمة شيوخهم مثل "كونراد أديناور" و ردد شعار اننا سنواجه مشاكلنا ببحار من الصبر لا ينفذ، و برغم ان اسراهم لم يعودو بعد، تعلم ابنائهم بشغف، انتشرت المكتبات و الكتب حتى انهم لم يضيعوا وقت في نقاش او جدال, لماذا انهزمنا؟ و في العام ١٩٥٤ ، فازت ألمانيا بكأس العالم، و كما ورد فقد كانت احذية اللاعبين في الاندية الالمانية و الشعب لازالت الى وقتها مهترية " و الى يومنا هذا عند كثير منهم من باب الاقتصاد كما يقال". لم يكن لديهم المال حتى يستوردون حسب الموضة و الطلب و انما كان هناك اولويات فعلموا الناس الادخار الى يومنا هذا.

بعد ان عادت الحياة الى المدارس و الجامعات في عهد عجوزهم "كونراد أديناور" اى من عام ١٩٥٥ كانت مرحلة بناء مصانع الانتاج، كتبوا شعاراتهم لهذه المرحلة ليس على المنابر و ليست رسائل الغفران او المعلقات وانما عبارات قصيرة تعكس قيمة العلم و العمل مثل "جدية و أمل" او "لتعلم لا يوجد شخص مسن" او"التجربة التجربة تصنع محترف". ألفترة التى تلتها بعد تم تسليح جيل كامل لم يعيش الحرب ليس بالبندقية ، و انما بالكتاب و القلم اى بالمعرفة ، بسياسة قادتهم مثل "لدفيج ارهارد" و "جورج كسنجر" اى من ١٩٦٥ حتى ١٩٧٤م، مما اظهر الاطمئنان و الثقة بالدولة فظهرت رؤوس الأموال و رجال الأعمال، و تكفّل كل رجل أعمال وقتها بـ خمسين شاباً يُدربهم و يُعلمهم ، و التي لا زالت الى اليوم هذا ضريبة اجيال موجودة باسلوب الزامي و اخلاقي و قبله اقتصادي .

كانت مهمة الإعلام وقتها فتح افق جديدة في فكرهم ، مما بث الأمل و الاصرار عن النجاح و البحث عن الفرص و الكف عن البحث عن مملكة السماء او الاوهام. في الحقبة التى تلتها كانت المعجزة او الطفرة في المجتمع الذي لايستسلم، و الذي واجه العالم ببحور من الصبر، و التي بداءت بعد مستشارهم "فيلي برند" في ١٩٧٥ م و عهد "هلموت شمت". و هنا بدا الالمان بادخار المال الفائض في الميزانية لمجابهة اعباء الوحدة القادمة مع الجزء الشرقي من دون فلسفة او تغني. و كان الشعار هذه المرة "الذي عنده رؤية اى بيع كلام و فلسفة يذهب الى الطبيب يتعالج"، رفعوا شعار الجد و الاجتهاد في العمل و لم الشمل و اعادة الاسرة و توجوهها من دون صراخ و عويل في ايام مستشارهم "هلموت كول" في ٣ اكتوبر١٩٩٠م ، برغم الحذر الشديد من الشرق و الغرب من عودة المانيا كصداع اخر.

لكن كانت المانيا قد خرجت كالمارد لا يمكن ان يظل حبيس الفانوس، خطت مسار الانفتاح و طمنوا العالم ان المانيا اليوم لن تكون الماضي اى ليست النازية و انما الاوروبية و لن يحدوا عنها. بعد وحدتهم عادت القاطرة الألمانية كعنقاء من جديد رافعين شعارهم الجديد بعد الوحدة ان المانيا ليست الجغرافية، و انما الانسان و صار كل حزب يدعو في الانتخابات هنا يقول لمواطنيه "انت المانيا". في اخر السنوات كان شعار جديد اخر قد ارتفع بعد ان ترسخت المانيا و هو "المانيا اليوم قوية و لابد ان تظل قوية" .لا تميز بين منظفة الحمامات و لا رئيس الجامعة او حتى الدولة الكل دافع ضرائب وهم في الحقوق و الوجبات و الطوابير في اى مصلحة سواسية.

تعرفون ان الالمان يكاد يكون هو الشعب الوحيد في العالم, الذي يحتفل في ٦ يونيو بهزيمته يوم إنزال القوات الأمريكية و البريطانية على شواطئ (نورماندي) الواقعة في شمال فرنسا في ٦ يونيو ١٩٤٤. هم لا يريدون ان يذكروا الماضي لانهم اليوم اقوى مما كانوا و سوف ينجحون في العشر سنوات القادمة في المنة القارة الاوروبية بعد ان صارت القاطرة, التى تسحب عجلة الاقتصاد. و السر يكمن في الانسان و تأهيله فقد كانت و لازالت ركائز المانيا هم الشباب، لذلك جهزوهم بسلاح المعرفة و المبادرة.

خُلاصة الامر ألمانيا بدأت من تحت الصفر مقارنة بحالنا في اليمن و لم توقف العوائق امامهم و لا المشاكل و انما غيروا الواقع بتكتفهم و تفاعلهم البناء في بناء انفسهم و قراهم و مدنهم , و بوجود ادراك حقيقي من الامريكان ان المانيا هي الحاجز امام الروس. لم يعطوا التخطيط لرجال الكنيسة و لا الى العسكر ولا المليشيات و انما الى المبدعين و المنتجين فهؤلاء من كانوا فرسان الرهان. فقد ادرك الجميع ان الحاضر نعيشه بما تزودنا به من الماضي ام المستقبل بما سوف نتزود به في الحاضر، فمن تزود الان بالسلاح لن يتقن حمل القلم و من تزود اليوم بالكتاب و القلم فقد عرف ان المستقبل بيد المجتمعات و الدول, التي تعتمد على المعرفة.!!!!!