حوارات وتحقيقات

السبت - 17 أغسطس 2019 - الساعة 09:12 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب/محمد اللطيفي


لم يظهر وجه محمد بن زايد بوضوح خلال لقائه بكل من الملك سلمان وولي عهده، كما أن الصورة التي نشرت على صدر الصفحة الأولى من صحيفة عرب نيوز السعودية الصادرة باللغة الإنجليزية، أظهرت بن زايد "بملامح جادة بينما كانت نظرات بن سلمان الى الأسفل"، وهذان المشهدان التاليان لانقلاب عدن (10 أغسطس) جعلت سايمون هندرسون؛ الباحث الأمريكي المختص بشؤون الخليج، يستنتج منهما بأن مسار العلاقة بين السعودية والامارات ينبئ باختلاف الأساليب بين وليي عهد الدولتين، لكن هل انفراط عقد الشراكة بات وشيكا؟ بالنسبة لهندرسون، فإنه أمر غير وارد الآن، فهذه الشراكة؛ وفق مقال له نشر بمعهد واشنطن، تعد وثيقة جدا، معمدة بعلاقة ثنائية متينة (ولي عهد أبوظبي وولي عهد الرياض) معتمدة على علاقة ثلاثية (وليّا العهد والرئيس ترامب).

ومع ذلك فإن هذه العلاقة الاستثنائية بين البلدين، تمر بانعطافات خطيرة، وتمثل أحداث عدن واحدة من الانعطافات التي قد تؤدي مستقبلا إلى إنهاء الشراكة بين الطرفين، فالسعودية وإن اتفقت مع الإمارات في الأهداف بخصوص التدخل العسكري في اليمن، إلا أن الاختلاف في النتائج بات واضحا؛ خصوصا فيما يتعلق بتأثيراته السلبية، التي تبدو الإمارات بعيدة عنها على المدى القريب، بينما ألحقت، بشكل مباشر، أضرارا فادحة بالأمن القومي السعودي، وهذه النقطة الأخيرة هي مثار انقسام سياسي بين صناع القرار السعودي، ومحط تساؤلات بين المهتمين داخل المحافل الدولية بشأن ما أصبح يعرف ب "الشرق الأوسط الجديد".

و"الشرق الأوسط الجديد"، تسمية أطلقت على العلاقة الاستثنائية بين وليّي عهد الرياض وأبوظبي، والتي نشأت في الأساس لمواجهة تداعيات الربيع العربي والتدخلات الإيرانية، ولكن مستقبل هذا الشرق الجديد الذي تربطه علاقات وثيقة بإسرائيل، تحيط به رياح عاصفة من كل اتجاه، فالتدخل السعودي الإماراتي في اليمن أثمر نتائج عكسية بعضها كارثية ومتناقضة مع الأهداف المعلنة من هذا التدخل، فمليشيا الحوثي أضحت أكثر تهديدا للرياض من ذي قبل، ونتائج التسوية السياسية بالمجمل لم تعد لصالح الشرعية بقدر ما يجني ثمارها الحوثي، في الوقت الذي تبدو أبوظبي ناجية من هذه التداعيات السلبية، أو لنقل أنها فضلت الهروب من نتائجها بالتقارب مع العدو الرئيسي للتحالف، إيران.

مواجهة مليشيا الحوثي لم تعد ضمن استراتيجية الإمارات، وهذا الامر بدأ منذ يونيو 2016 مع إعلان ولي عهد أبوظبي انتهاء الحرب في اليمن، كما أن رعايتها وتمويلها للتمرد المسلح الذي نفذه المجلس الانتقالي بعدن، ضد الحكومة المعترف بها دولياً، زاد من جحم الشكوك بأن الامارات تلعب لصالح إضعاف الدور السعودي في المنطقة، ووقائع أحداث عدن دللت على أن ما حدث ليس مجرد تمرد متطرفين انفصاليين بدعم من أبوظبي، بل كان بمثابة انقلاب إماراتي نفذته مجموعات انفصالية مسلحة متمردة، لأسباب لا تتعلق فقط بكون هذه المجموعات مدربة وممولة من الإمارات، بل أيضا لأن نتائج هذه التمرد المسلح لا يصب لصالح هدف المتمردين؛ المتمثل بانفصال الجنوب، بل لصالح هدف أبوظبي؛ إبقاء اليمن في حالة من الفوضى لن تنحصر رياحها العاتية في جنوب اليمن بل في شرقه وغربه وشماله، وهو ما يمكن ملاحظته في تركيز الإمارات على إنشاء مجموعات متمردة أخرى في غرب اليمن، حيث مليشيات طارق، فضلا عن كتائب أبوالعباس التي يشكل اللواء 35 غطاء لها.

بالنسبة لقيام دولة جنوبية منفصلة عن الشمال، هذا أمر غير وارد حتى لدى أبوظبي والرياض، لأسباب تتعلق بالأمن الدولي، لكن الذي بات واضحاً أن أبوظبي تريد مناطق جنوبية منفصلة عن الشمال تتحكم بها عن طريق مجموعات مسلحة جنوبية، لكن السؤال هل الرياض تريد ذلك السيناريو وبالتالي هل تدعمه؟ هذا جواب ليس متفقا عليه، فالطريقة التي أدارت بها السعودية تداعيات انقلاب عدن، زادت من حالة غموض الموقف السعودي.

وبتقديري فإن المملكة لا تزال عالقة بين رغبتها وتخوفاتها، فهي ترغب في إبقاء اليمن "حديقة خلفية ضعيفة"، وترى أن ما تفعله أبوظبي في هذه الحديقة مفيداً لها، ولكنها في الوقت ذاته تعيش تخوفاً من عدم قدرتها على التحكم بالنتائج السلبية، لتفكك جارتها، على حدودها وعلى أمنها القومي، ولذا نشاهد أنها ذهبت باتجاه احتواء الموقف من انقلاب عدن، ووضعت نفسها وسيطة بين الشرعية والإنقلابيين، ولم يعد مهماً بالنسبة لليمنيين المؤيدين لمخرجات الحوار الوطني، هل الرياض متفقة مع أدوار أبوظبي أم لا، لكنهم باتوا شبه متأكدين من أن جارتهم تستخدم الشرعية كغطاء لحماية سمعتها الدولية من المساءلة.