عربية وعالمية

الخميس - 14 فبراير 2019 - الساعة 12:29 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية / متابعات

بلحية طويلة غير مهذبة وشعر أشعث كثيف ظهر الشاب، البالغ من العمر 26 عاما، بجوار والدته، في إحدى المستشفيات الحكومية بقرية في محافظة الغربية بدلتا النيل في مصر.

كست مشاعر الخوف ملامح وجه الشاب، الذي تتحفظ بي بي سي على ذكر اسمه، وهو لا يزال يعيش آثار تجربته الأولى في الخروج للشارع ورؤية آفاق أخرى لعالم اعتاد على العيش فيه طوال عشر سنوات مضت منذ أن كان مراهقا، حيث قررت والدته حبسه في بقايا ما يمكن أن نطلق عليه منزلا في قرية "سجين الكوم" بمحافظة الغربية.

"حبس بغرض الحماية"

وبررت عزيزة القلمي والدة الشاب، لبي بي سي، قرارها بحبس ابنها داخل إحدى غرف المنزل المتهالك، بمحاولتها حمايته من مضايقات المجتمع المحيط به في القرية، بعد أن أصيب بمرض، لم تحدده، حين كان في الصف السادس الابتدائي. واعتبرت ذلك حلا لتفادي تكاليف العلاج التي لا تستطيع توفيرها.

وقالت إنها تقوم بخدمة ابنها على أكمل وجه في حدود قدراتها المادية، مضيفة أنها فوجئت بقوات من الشرطة منذ أيام تلقي القبض عليها وتصطحب ابنها إلى إحدى المستشفيات، وسط حالة من السخط من أهالي القرية الذين أبلغوا الشرطة.

ووفقا لتقرير الطب الشرعي، فإن الشاب يعاني من اضطراب نفسي ومشاكل في ركبته نتيجة الجلوس في وضع واحد لسنوات طويلة، كما تسبب الحادث في فقده النطق. لكن التقرير أفاد بأن علاج حالة الشاب ممكن.

Image captionالمنزل الذي كان الشاب محتجزا فيهمنزل متهالك

يبدو المنزل الذي تقطنه الأم وابنها في حالة مزرية، وقد صفته بعض وسائل الإعلام المحلية بـ"القبر"، فيما عبر الأهالي الغاضبون عن عدم تفهمهم لموقف الأم.

وقال أحمد عبد الصمد القاضي، عمدة قرية سجين الكوم، لبي بي سي، إن الأم قررت حبس ابنها لضيق ذات اليد وعدم قدرتها على الوفاء باحتياجاته، مشيرا إلى أن الشاب كان بصحة جيدة قبل حبسه، وكان يتعلم إحدى الصناعات الحرفية، وأضاف أن الأم كانت ترفض أي مساعدات من أهالي القرية، مشيرًا إلى أنها كانت ترفض تماما أي محاولة من أهالي القرية لمساعدته أو تقديم ملابس أو أطعمة له.

وأكد أحد شبان القرية، لبي بي سي، أن الشاب كان زميله في الدراسة. وأشار إلى أن والدته كانت تمنع أصدقاءه من زيارته أو إعطائه ملابس، خاصة بعد ظهوره أكثر من مرة بدون ملابس.

وأضاف الشاب أن الأم اعتادت أن تطرد كل من يحاول زيارته أو تقديم أي مساعدة له منذ أن كان صغيرا، مشيرا إلى أنها قررت احتجاز الشاب بعد وفاة والده.

Image captionاستشارية الطب النفسي، إيمان جابر، ترى أنه يجب اخضاع الام والابن للعلاج النفسي

"اضطرابات نفسية "

وقالت استشارية الطب النفسي، إيمان جابر، المتخصصة في علاج الأطفال والمراهقين، إن الواقعة ربما تعبر عن خلل نفسي أصيبت به الأم وهو ما دفعها لفعل بذلك، لكنها أشارت إلى أن غياب الوعي بالاضطرابات النفسية قد يدفع بعض الأمهات لمثل تلك التصرفات، مؤكدة أنه يجب أن تخضع الأم وابنها للكشف الطبي لتشخيص مدى إصابتها النفسية وإصابة الشاب.

وفي ما يتعلق بتأثير مدة الحبس على قدرات الشاب الذهنية، قالت إيمان لبي بي سي، إن قلة المؤثرات التي يتعرض لها الشخص بشكل عام، في إشارة إلى الحبس كمثال، قد تتسبب في إصابة الشخص بهلاوس نتيجة الفترة الطويلة التي تغيب عنها المؤثرات.

وأوضحت أن انصياع الشاب لأمه وقبوله بما قامت به يأتي لتحكم الأم الكامل بالبيئة المحيطة به على اعتبار أنها المصدر الوحيد للطمأنينة، مؤكدة أن ملابسات الواقعة أثرت على قدراته الذهنية.

وأضافت، أنه لا بد من دراسة التاريخ الطبي والنفسي للشاب ووالدته بمعرفة الطب الشرعي، لتحديد برنامج التأهيل اللازم لعلاجهما، لافتة إلى أن احتمالات العلاج لاتزال ممكنة.

Image captionالمحامي محمود عباس"قصور تشريعي"

وأخلت النيابة العامة سبيل الأم على خلفية التحقيق في الواقعة، وذلك دون أي ضمانات إذ أن قانون العقوبات المصري لا ينص على أي عقوبات تطال الوالدين في حال الإساءة لأي من الأبناء.

وينص قانون العقوبات على أنه "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"، وأنه "لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى".

لكن قانون الطفل، حسب محمود عباس المحامي والخبير القانوني، حدد عقوبات واضحة في حالة ثبوت اعتداء يقع على الأبناء من جانب الوالدين أو أحدهما، مشيرا في الوقت نفسه إلى توافق قرار النيابة مع نص القانون في ما يخص إخلاء سبيل والدة الشاب. لكنه أكد أن هناك "قصورا تشريعيا" في مواد قانون العقوبات، أرجع أسبابه إلى "ارتباط القانون بالشريعة الإسلامية التي لا تسمح بإسقاط ولاية الآباء على أبنائهم أياً كانت الأسباب".

وجاءت هذه الحادثة بعد أسابيع فقط من حادثة أخرى لأم أمرت ابنها الصغير بالقفز من إحدى النوافذ لإحضار مفتاح الشقة الذي نسيته الأم، مما عرض حياة الطفل للخطر.

وقررت النيابة العامة في تلك القضية التي أثارت موجة كبيرة من ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، إخلاء سبيل الأم. لكن القضية فتحت نقاشا اجتماعيا حول ما يمكن توفيره في نصوص القانون لحماية الأبناء من اعتداءات ذويهم أيا كان شكلها، فضلا عن أسئلة أخرى إجاباتها ليست يسيرة، خاصة في ما يتعلق بالمسؤولية حول تكرار مثل هذه الحوادث، القاسم المشترك بين هذه الحوادث هو ضيق ذات اليد ونقص مفرط في التعليم، في وقت تتداخل فيه المساحات الإنسانية والعدالة والقانون.