حوارات وتحقيقات

الخميس - 20 سبتمبر 2018 - الساعة 05:30 م بتوقيت اليمن ،،،

«الوطن العدنية»كتب/أ. محمد الدبعي

شكل الدولة!

عرّف ماركس العلمانية فقال هي"فصل الدولة عن الدين"، وتحدث أنجلز فقال: "إن تمكين المجتمع وتحقيق المساواة بين طبقاته وفئاته والحد من سلطات الدول ونخبها سيجعل الدولة مكانها المتحف!

فالأساس هو المجتمع. وبالتالي إذا فصلت الدولة عن الدين، فما المنهج أو الفكر الذي سيملأ الفراغ؟!"

من خلال النظر والمشاهدة نجد أن مباديء مختلفة ورؤى متعددة ملأت دساتير العالم مثل حقوق الانسان، العدالة والمساوة، ومبادئ الحكم الرشيد، الإشتراكية، البعثية، واليوم مايسمى التشاركية الجماهيرية أو المجتمعية، ما يعطينا أنماطا من الدول:

النمط الأول: النمط الإستبدادي أو القهري، وفيه نموذجان:

- الدولة المركزية: وهي غير تشاركية

- أشباه دول: وهي التي تتبنى الدين أساسا.

هذان النموذجان يعانيان من مشاكل جمة كالتسلط، الإستفراد بالسلطة، عدم الإستقرار، الظلم، الفقر، الإستغلال والفساد المالي والإداري، والتخلف النهضوي...الخ

النمط الثاني: التشاركي أو التوافقي الديمقراطي:

- الدولة العلمانية: وهي التي فصلت الكهنوت عن الدولة، وفيها تجد الإستقرار والعدالة والنهوض.

التمييز وحقوق الإنسان!

التمييز معناه إعتبار بعض البشر أقل شأنا من البعض.

وهو عموما شيء مرفوض في المجتمعات المتحضرة، سوآء التمييز علي أساس الدين أو على أساس أي شيء آخر كالجنس واللون واللغة والنوع، وتقييد حرية من ينتمون إليها من التمتع بحقوقهم المدنية والثقافية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية، ومن ثم فهم يعانون من التمييز حتى في الخدمات الصحية أو الوظائف العمومية، والترقي في السلم الوظيفي، والعسكري بالذات.

ولقد كانت الأمم المتحدة معنية بهذه القضية منذ تأسيسها، وحظر التمييز موجود في جميع المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان.

علمانية الدولة!

الدولة العلمانية: هي دولة ذات نظام حكم علماني، وهي رسمياً تضمن كونها محايدة تجاه القضايا المتعلقة بالدين. كما أن الدولة العلمانية تعامل جميع مواطنيها بشكل متساو بغض النظر عن إنتمآءاتهم أو تفسيراتهم أو أفكارهم الدينية.

فالعلمانية هي الديمقراطية، إلا أنها تضيف إليها قانون حماية حقوق الأقليات.



ولا تعتبر العلمانية شيئا جامدا، بل هي قابلة للتحديث والتكييف حسب ظروف الدول التي تتبناها، وتختلف حدة تطبيقها ودعمها من قبل الأحزاب أو الجمعيات الداعمة لها بين مختلف مناطق العالم. كما لا تعتبر العلمانية ذاتها ضد الدين، بل تقف على الحياد منه،

التراشقات التي نراها اليوم بين الإسلاميين والإسلامين أو بين الإسلاميين وغيرهم تعود بذاكرتنا إلى بدايات الثورة الفرنسية 1789، حين وجد الثوار أنفسهم في مواجهة دموية عنيفة مع سلطة الكنيسة.

ومن هنا تجلى الطابع المعادي للدين ورجاله بعد أن حملوا السلاح مباشرة إلى جانب الإقطاعيين والملكيين ضد الثورة والثوار (كما يحدث اليوم بين أدعيآء التدين المستثمرين بإسمه وبين والمنادين بالدولة المدنية الديمقراطية العلمانية - التأريخ يعيد نفسه لكنه عربيا هذه المرة). لذلك نشأت فكرة الفصل بين السياسة والدولة وبين الدين.

وإذا نظرنا إلى العلمانية في الممارسة السياسية فهي نشاط إقتصادي إنتاجي، علمي، تنظيمي، حقوقي، إداري ومالي.

العلمانية هي كفالة الدولة لحرية التعبير والفكر، حرية الإيمان والتدين والإعتقاد. كل ذلك من أركان الديمقراطية التي لا تستقيم إلا بها، ومن يرفضونها فإنما يرفضون الديمقراطية جملة وتفصيلا، ويعادونها بدعوى الخصوصية الثقافية والإجتماعية للشعوب.

أشكال العلمانية:

التجارب السياسية للعلمانية كثيرة في سياق بناء الدولة:

- فالعلمانية إعتمدت اشكالاً سلمية للعلاقة بين الدولة والدين مثل:

- بريطانيا: المؤسسة الملكية ممثلة بالملك تقف على رأس الكنيسة وهو رمزها، ومجلس اللوردات يضم بين أعضآءه عددا من القساوسة.



- أمريكا: مكتوب على أوراق بنكنوتها الدولار عبارة: نحن نثق بالإله، كرمز للتدين، من جهة أخرى نجد أن العلمانية لم تقف يوما عائقا دون وصول المتدينين الأمريكيين إلى الحكم كالرئيس بوش الاب وبوش الإبن، وكونداليزا رايس مديرة الأمن القومي ووزيرة الخارجية الاميركية، وهي قسيسة وابنت قسيس.

- كندا: دولة متعددة الديانات والعرقيات واللغات، وهي دولة ملكية دستورية علمانية، والملكة هي رمز التدين.

- ألمانيا: للأحزاب الدينية فيها نصيب من ممارسة السياسة، حتى وصولها إلى قمة السلطة، على قاعدة اعترافها بالدستور الذي يحتوي القيم و المبادئ العليا للدولة والتسليم له، كحزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي والإجتماعي وتتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

- فرنسا العلمانية من كبار حراس المسيحية، وأكبر داعمي الحملات التبشيرية.

بعد كل ماتقدم في الجزءين السابقين وفي هذا الجزء من المقال نصل إلى نتيجة مهمة ان إدارة معركة استعادة الدولة على أساس وطني ينبغي أن يتلازم مع إدارة حركة تنوير وتثقيف تساعد في صياغة المقدمات، وتبصير المجتمع بمخاطر التفرد بالقرار، والمحاصصة السياسية، وعبآءة الدين الكهنوتية، والإستعلآء السلالي، وتبيان فائدة تحديد وفصل السلطات عن بعضها، كل ذلك يعين على تهيئة الأجوآء لتقبل التغيير خصوصا أن معانات المواطنين قد زادت وفاقت القدرة على الإحتمال.

لقد أضاعت الأمة عقودا كثيرة من عمرها، وأهدرت حاضرها، وظلمت اجيالا متعاقبة بعدم تمكينها من حقوقها في ممارسة حريتها، مما جر بلادنا إلى مجاهل الظلمات ومحارق الفتن والحروب. فهل حان وقت الإنتفاض الفكري والإصلاح الجذري لكل ذلك الخراب؟ هل آن آوان إزاحة وشاحات السواد الكهنوتية الجاثمة على صدر الشعب بإسم الدين والسلالية؟؟؟!