أخبار محلية

الإثنين - 14 ديسمبر 2020 - الساعة 04:34 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية /قناة بلقيس_كريم حسن


يرمز الاستقرار إلى نوع جيّد من عافية الشعوب، وتظهر علامات التعافي في مجالات عدة، نتيجة لذلك.

فيما تُحيل الأوضاع المضطربة حياة الناس إلى صور مختلفة من المآسي، كالقهر والحرمان.

في إحدى المدارس الثانوية التابعة لواحدة من مديريات محافظة صنعاء، المتاخمة للعاصمة، كان الأستاذ "شكيب" واحداً من أهم المعلمين لمادة الرياضيات.

صبيحة كل يوم دراسي، و"بهندام متناسق"، كما قال ل"بلقيس"، يتجه شكيب صوب طلابه، لتعليمهم أهم الدروس في المادة، التي كان يدرسها، إذ كان يعمل على تحضيرها بشكل جيد وبصورة مستمرة.

كانت مادة "الرياضيات" عالمه الوحيد، ومسائل "الجبر" و"الهندسة الفضائية" كل اهتماماته، و"للتفاضل" و"التكامل" حيزٌ في ذاك العالم.

لم يتوقع "شكيب" أن يأتي يومٌ ويفقد صفة الأستاذ، التي كان يسمعها من طلابه، طيلة يومه الدراسي.

 بعدما فقد "الصفة" فقد مصدر دخله، حينها أوجد لنفسه مصدراً جديداً للدّخل، يمكّنه من الانفاق على أسرته، "واستقر به الأمر بائعاً للسحاوق".

يقول شكيب ل"بلقيس": "لم أكن أملك رأس مال، لأفتتح مشروعاً، كوني كنت مدرسا، وراتبي محدود، فتحولت إلى بيع السحاوق، كونه عملا يحتاج لتكاليف بسيطة".

 في أحد أركان السوق الشعبية، مكان ليس بارزاً لجميع المارّين في السوق، التي تبدأ ذروة العمل داخلها من العاشرة صباحاً حتى الثانية ظهراً، بصورة يومية، يقف "شكيب" (48 سنة) بقدمين عريضين، وبلباس شعبي (قميص، ومعوز)، مرتدياً على رأسه "شماغ"  مهترئ، وبلحيةً خفيفة غزاها الشيب بكثرة، وشارب متوسط.

 أمام شكيب طاولة حديدية صغيرة، مكونة من طابقين: الأول يستخدمه مخزنا للمواد التي يستخدمها في صنع "السحاوق"، من: طماطم، وفلفل أخضر (البسباس)، وثوم، والأجبان الخارجية، وأشياء أخرى، يخلطها مع "السحاوق".

فيما الطابق الثاني مغطى بالزجاج من ثلاثة جوانب، حيث يضع داخله "الخلاطة اليدوية"، التي يستخدمها في عصر "السحاوق"، الذي يبيعه للزبائن.

ويتبع شكيب "نظام النفر" في بيعه للسحاوق، بحيث يبيع النفر المخلوط بالجبنة بـ "400" ريال، والنفر الصافي بـ"200" ريال، رغم ما تشهده أسعار الطماطم من زيادة كبيرة في بعض الأيام، وهذا مصدر دخله الوحيد والاضطراري حالياً.

 في تلك الزاوية المخفية من السوق إلى حدٍ ما، هناك ينصب شكيب "طاولته"، التي هي أطول من قامته، وهي مغطاة من سقفها، بزيادة بسيطة.. يستفيد من تلك الزيادة باستخدامها "مظلة" تقيه حرارة الشمس أثناء النهار.

يقف شكيب في المكان وكأنه مُختبئ، خشية الإحراج، لو صادف أن شاهده شخصٌ يعرفه، وكذلك الهروب من الحملات الميدانية، التي تنفذها السلطات، في أمانة العاصمة صنعاء، على المخالفين المتسببين بمظهر تلك السوق الشعبية.

قدم "شكيب" من أحد أرياف محافظة تعز إلى العاصمة صنعاء قبل نحو عشرين سنة، بهدف الدراسة الجامعية، فالتحق حينها بقسم "الرياضيات" في "كلية التربية" في "جامعة صنعاء"، واجتاز تلك المرحلة بنجاح.
 بعد تخرجه من الجامعة، حاول أن يلتحق بوظيفة حكومية في مجال تخصصه، وقتذاك كانت كثير من مدارس الجمهورية بحاجة لمعلمين في التخصصات العلمية.

حالف الحظ "شكيب" ووجد اسمه ضمن كشوفات المقبولين للعمل كمعلم لمادة "الرياضيات" في إحدى مدارس محافظة صنعاء.

يقول ل"بلقيس": "شعرت بنوع من الاستقرار المادي، بعد حوالي عام من العمل في وظيفتي، وكان عليَّ أن أتزوج، وأعمل على تكوين أسرة، فتزوجت إحدى زميلاتي المعلمات في المدرسة".

بذاك حقق شكيب حلمه في تكوين أسرة، وأصبح واقعاً. وأنجبا (3) أطفال: محمد (18 عاما)، بثينة (16 عاما)، وديع (12 عاما)، كلهم ملتحقون بالمدرسة، عدا محمد الذي تخرج من "الثانوية العامة" العام الماضي، ويعمل في مساعدة والده معظم الأوقات.

يشكو شكيب سوء الوضع المعيشي حالياً، ويتحسر على استقراره المعيشي سابقاً، والذي لم تطُل فترته، وكانت حُلماً له، إذ تغيرت حياته جذرياً، بعد  انقطاع راتبه، وراتب زوجته التي التزمت الجلوس في البيت من حين توقف راتبها، وكان الراتب مصدر دخلهم المعيشي الوحيد.

 في المكان ذاته، حيث يعمل شكيب، لديه وسيلة نقل يدفعها بيديه، تعرف شعبياً ب"الجاري" أو "العربية"، ويستخدمها  في حمل المواد من و إلى المنزل.

 يعيش شكيب وأسرته في أحد الأحياء القريبة من السوق الشعبية، في منزل يصل إيجاره ما يقارب 60 ألف ريال شهرياً، ما يعادل 100$. ومن مصدر الدخل هذا، يلتزم شكيب بتوفير احتياجات أسرته من المصروف اليومي، وتسديد إيجار المنزل، إذ لم يتغيب يوما عن السوق، ليتمكن من الوفاء بتلك الالتزامات، طيلة أربع سنوات تقريبا، يعتبرها ولّت من عُمره هدراً.