مقالات وكتابات


الخميس - 09 يناير 2020 - الساعة 01:19 ص

كُتب بواسطة : جمال مسعود - ارشيف الكاتب


في تاريخنا الاسلامي الزاخر تتجلى مكانة التعليم ومقامه الاعظم حتى ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم جعله فداءا للاسرى وشفاعة للمقاتل الذي ضرب اعناق المسلمين في الحروب  ، فبدلا من ان يأخذ الفدية لتحرير اسرى الكفار والمشركين وهو بحاجة اليها عرض عليهم اعظم صفقة للتحرير من الاسر  ،  بتعليم عشرة اميين من المسلمين تتحرر من الاسر .. وهي اكرم واعظم شفاعة لانسان على وجه الارض ،  التعليم مقابل الحياة ،  فخرج الاسرى الكفار يأخذون اقلامهم بعد ان حملوا سلاحهم يقاتلون به المسلمين ،  فبالتعليم ووظيفته ونبل رسالته ، صار الاسرى الكفار مبتعثين لدى دولة الاسلام يأكلون ويشربون ويتحركون في وضعية السفراء بعد ان كانوا اسرى بين يدي المسلمين ممكنين منهم ومن رقابهم ان شاءوا قتلوهم او باعوهم او ساوموا بهم عرضا آخر ، لكن مهنة التعليم  وعظمتهاحررتهم واكرمتهم  . فكان الهدي النبوي اول من سن هذه السنة  وجعل للتعليم مقاما تفدي به نفسك من الاسر والموت.             
  لقد ارتقت مهنة التعليم في حاضرة العالم الاسلامي فخرج النبي المعلم صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام رضي الله عنهم المعلمين يفتحون مدارس الخيرية والافضلية الوظيفية على وجه الارض وهو يقول خيركم من علم القرآن وتعلمه ليضع حجر الاساس للتعليم كافضل واخير مهنة  يعلمون الناس                       
   فاتسعت رقعة الاسلام ودخل الناس في دين الله افواجا وتنوعت المدارس وتخصصت وانفرد كل علم بمدرسة خاصة فعلوم الشريعة والمهن والحسابات وغيرها حتى وصلت الى اعلى مستوياتها فصارت الممالك والدول المجاورة ترسل ابناء الملوك والامراء الى بغداد ودمشق والمدينة المنورة في ابتعاث خارجي مدفوع التكاليف من الجامعات الاسلامية الافخم والاعظم على مستوى العالم آنذاك فخرج العلماء في الطب والرياضيات والفيزياء والفلك وعلوم البيئة والزراعة وصناعة السفن حتى حاول عباس بن فرناس ان يحلق في الفضاء بنظرية التحليق  الانزلاقي التي تستخدمها الطائرات المتنوعة في زماننا هذا ،  بالتعليم صار المسلمون والعرب قادة العالم وشموسه المضيئة ولازالت كتبهم ونظرياتهم خالدة في المصطلحات العلمية   ..
لقد انفقت الخلافة الاسلامية في بغداد جل ميزانيتها في دعم التعليم ورفعت اجور المعلمين الى حد لامقدار له برقم معين بل ارتبط بتوفير كل مايحتاجه المعلم ليستقر فالسكن والنفقة والدابة والخادم والحراسة ويعالج المعلم اذا مرض بطبيب الخليفة .. وتتكفل ميزانية الدولة لمقام المعلم الذي تستقر نفس الخليفة اليه فيرسل اولاده بنات وبنين ليقفوا بين يدي المعلم فيتعلموا فنون العلم المختلفة فسمي عصر من عصور الحضارة الاسلامية بالعصر الذهبي ذاك لانه قد لمع فيه العلم والتعليم فصارت حاضرة الخليفة العباسي هارون الرشيد بغداد قبلة التعليم الاكاديمي والتخصصي  .                
  شهدت جنوب الجزيرة العربية بلادنا وبعد خروج المستعمر البريطاني اهتماما كبيرا وتوجها عاما نحو التعليم فحملت الدولة على عاتقها هم التعليم  والمعلم فارسلت وفود المعلمين الى القرى والارياف وحفزت خريجي الثانوية العامة على تقديم خدمة مدنية في التعليم والصحة لمدة عام او عامين في المدن والقرى والارياف والبوادي والصحراء على نفقة الدولة ومدعومة بالتشجيع والحوافز ، فانتشرت المدارس في الخيام وتحت ظل الاشجار والمنازل والمساجد برعاية الدولة وعنايتها ، فالمعلم هو سفير الدولة  بعثته وتنفق عليه فكل طباته مجابة والمجتمع يحرص على اسعاده واكرامه ، فلايجلس كبير امام المعلم الا باذنه ولا يقوم الا باذنه لا كبير امام المعلم وهيبته ، فتعلم الصغار وتحرر من الامية الكبار ، جهود جبارة قدمها المعلمون عندما اغمضت الدولة اعينها مطمئنة وتكحلت بضياء المعلم ونوره فجعلته همها وكل اهتمامها تشجعه وتقدم لوظيفة التعليم الاغراءات حتى يقبل المتنافسون على التعليم كارقى واعظم وظيفة ..  لقد ذهب كل ذلك وصار من الذكريات الجميلة التي عفا عنها الزمن وحل محله الاوجاع والقهر والانكسار بلغ حد التطاول على المعلم والاعتداء عليه واهانته وصفعه بعنف امام طلابه  لينفطر قلبه ويموت قهرا .. كثرت الازمات والمشاكل وتصارع الناس مع بعضهم البعض وفسد السياسيون والعسكر ودمروا معهم الاوطان والشعوب لانهم قادوا المجتمع وقرروا مصيره كرسوا جهودهم واموال الدولة وميزانياتها في حماية عروشهم وكروشهم فجيشوا الجيوش لحماية انظمتهم واحزابهم وامنوا الاجهزة الامنية  ونوعوها لحراستهم وللتجسس على مخالفيهم ورصدهم ، مدوا ايديهم الى خزينة الدولة واخذوا مفاتيحها لهم ينفقون كما يشاءون استخفوا بكل ذي قدر ومقام سحبوا المعلم من رقبته الى بيوتهم ليعلم ابناءهم بسياسة العصا والجزرة  اعطوا للمعلم حافزا كبيرا ليشارك معهم في انتخاب حزبهم ونظامها وآخرون اخرجوا المعلم ليثور ضد خصمهم وعدوهم  اخذوا من المعلم قدره ومكانته فاذلوه ليتطاوع ويلين كما يلين الحديد بالتسخين والطرق جعلوا المعلم يدرس السياسات والتوجهات وليس الحقيقة والواقع حولوا المعلم من رسول الى عامل نزعوا قانون المعلم من محتواه ثم رفضوه والغوه وادرجوا المعلم في هيكل اجور ومرتبات لاطعم فيه او لون  ولا يعرف معلم من طبيب من عامل ساوى بين الجميع في الظلم قسم الوظيفة بين الحصانة والاهانة فحصن وظيفيا كل من كان له قدر ومقام في الدولة الا المعلم لم يقبلوا حصانته وتحصينه فصار مواطنا عاديا يوقفه احد طلابه في نقطة امنية فيرفع صوته في وجه معلمه ويهينه امام الناس لانه حاول ان يمر بحضرة صاحب الحصانة وموكبه وهو من اهل المذلة والمهانة ، عفوا ايها السادة الكرام لقد تعبنا نحن المعلمون من اهانتكم لنا فلم نعد نقبل ان تسمونا معلمين لامقام لنا ... فقولوا لنا ماذا يعني التعليم لديكم ... ؟