مقالات وكتابات


الجمعة - 20 ديسمبر 2019 - الساعة 01:43 ص

كُتب بواسطة : د. مروان هائل عبد المولى - ارشيف الكاتب



نحن نعيش في عصر عملية الربح فيه من أي شيء رغبة وهدف لكثير من الناس، ولكن أن تصل أمور الربح إلى حدود المتاجرة بالشهادات، ومنها الأكاديمية "الدكتوراه" فهذه كارثة وبلاء على الوطن والشعب، إلا إذا كان لديك الكثير من المال في جيبك يمكنك أن تصبح أستاذًا وأكاديميًا على حد سواء، لأن مكانة الشهادة الأكاديمية في اليمن أصبحت بعيدة عن العلوم وأقرب للهيبة ولتقوية المكانة الاجتماعية وزيادة الراتب وتصرف وتعتمد دون الحاجة إلى الفحص ومن جامعات "حيا الله" والسوق العلمي اليمني "مجنة ما ترد ميت"، سوق يهتم بالكم ويبتعد عن جوهر العلم والمعرفة.

سبق وأن كتبت عن ظاهرة وجود أشخاص في اليمن من حملة شهادة الدكتوراه المشكوك فيها، وحذرت من خطورة عدم فحص تلك الشهادات على مستقبل البلاد والأجيال، ولكن لا حياة لمن تنادي، واليوم شراء شهادة الدكتوراه المزيفة وأنت في البيت أصبح من الموضة القديمة، الآن رسميا يتم تسجيلك وقبولك في جامعات لا تطرد ولا تفشل أحدا مع توفير هذه الجامعات للخدمات المدفوعة ذات الطابع العلمي مثل كتابة الأطروحة والمقالات العلمية نيابة عنك وأنت جالس في السكن الجامعي، وهذه الموضة الأخيرة ذكرتنا بحادثة وقعت مع صديق لي قبل سنة من الآن، أذهلتنا وصدمتنا في نفس الوقت، ولم أكن أتوقع أن تنزل بعض الأمور المرتبطة بشؤون البحث والتعليم إلى هذا المستوى من الانحطاط، لقد كتب لي يقول "قدمت ملفي إلى جامعة (..) من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه، وبعد فترة قصيرة جدا تم استدعائي إلى مكتب فخم في الجامعة وأوضحوا لي طريقة التعاون معي بشكل صريح، لقد كان اتفاقا أوليا شفهيا على تفاصيل وأسعار عملية الدراسة للحصول على درجة الدكتوراه، حيث تم تقسيم الاتفاق إلى عدة أقسام وكل قسم وله سعره ابتداء من قيمة تسهيل اجتياز الامتحانات الأولية وحتى تجهيز وكتابة قائمة المراجع والمقالات العلمية والأطروحة والدفاع، وكل ذلك سيقوم به المشرف العلمي على الرسالة نيابة عني، وأكدوا لي أن حضوري للدفاع عن الرسالة أمام اللجنة سيكون صوريا ولا حاجة للخوف والقلق، وبسبب ذلك سحبت ملفي من تلك الجامعة".

صديقي من بعد هذه الحادثة أصيب بعقدة من الدارسات العليا، وفي مكالمتي الأخيرة معه أخبرته بأن لا ييأس وأن يواصل الدراسات العليا في جامعة أخرى، وأخبرته عن بعض الطرق لمعرفة الأكاديمي "الدكتور" الحقيقي عن المزيف حتى لا يصاب بالإحباط الدائم من كثرتهم، وذلك عن طريق طرح بعض الأسئلة على من يشك فيهم فقط، لأن هناك بالفعل أكاديميين "دكاترة حقيقيين" سماتهم على وجوههم وحديثهم وثقافتهم ويستحقون منا كل التقدير والاحترام.

قلت لصديقي بالنسبة للأكاديمي "الدكتور الحقيقي" ستجده مثقفا يتحلى بالاستقامة والنزاهة والأخلاق ولمحة من الهدوء والتفكير الاستثنائي والشعور بالمسؤولية تجاه نفسه ووطنه، أما "الدكتور المزيف" فهو متصنع لتلك الصفات التي ذكرتها يرى إخفاقات مجتمعة ودولته في شتى المجالات ولا يتفاعل معها، وأول سؤال توجهه لهذا النوع من الدكاترة هو في أي جامعة أو أكاديمية كان دفاعه عن رسالة الدكتوراه؟ وإذا ظهر اسم أي من "الأكاديميات أو الجامعات الدولية" في الإجابة فمن المرجح في هذه الحالة ألا يتم طرح الأسئلة التالية، لكن الاستثناءات تحدث وممكنه، خاصة أن بعض الأكاديميات الدولية أصيبت بداء الفساد وأصبحت تتاجر بالشهادات العليا، لذلك من الأفضل أن تسمح لنفسك بالتعمق في موضوع الأسئلة مثل: اسأله في أي قطاع كان يعمل قبل التوجه للحصول على لقب الدكتور؟ لأن كتابة الأطروحة حلقة متصلة بتخصص المتقدم وخبرته، فعلى سبيل المثال دكتور في القانون لا يمكن أن يكون قضى معظم حياته في شركة مستحضرات التجميل قبل حصوله على شهادة الدكتوراه، اسأل كذلك عن فترة تطبيق الأستاذية "التخصص" في جامعة الدراسة وعن والمؤتمرات التي شارك فيها وعن قائمة المقالات والأعمال العلمية، والأهم من ذلك كم استغرق من الوقت لكتابتها وأين تم نشرها؟ وإذا اتضح أن كل تلك الأعمال تمت في غضون عام، هنا لابد للشك في صدرك أن يشتعل حول جودة الرسالة والمقالات، ولابد لحدسك أن يشتغل حول الدبلوم ولجنة مصادقة الشهادات.