مقالات وكتابات


الأربعاء - 18 ديسمبر 2019 - الساعة 12:56 ص

كُتب بواسطة : عزيز طارش سعدان - ارشيف الكاتب



إنني عندما أقرأ قصة بني إسرائيل التي جاءت في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)) أجد تلك القصة تنطبق على حكّام العرب والمسلمين بالذات في هذا العصر الحديث الذي وصلوا فيه إلى تخمة زائدة من الثروة العربية والإسلامية بينما المواطن العربي والإسلامي يعيش فقراً مدقعاً رغم الثروة الهائلة في بلده والتي أعزّ الله بها الأمة العربية والإسلامية بخيرات العالم وجعل الأمة هي المتحكمة في عُصب الحياة في هذا العصر الحديث ومنها الموارد البترولية وغيرها من الخير العظيم في المنطقة العربية. ولكن نجد حكّام العرب يتسألون فيما بينهم ماذا نعمل بالمال الوفير الذي لدينا والذهب وغيرها من المعادن الثمينة وقالوا مثل ما قال بني إسرائيل في عصر موسى في قوله تعالى (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)) وحكّام العرب والمسلمين وأصحاب رأس المال العربي والإسلامي أصبحوا يتسألون فيما بينهم كيف نتصرف بالثروة العربية والإسلامية، وأين اليد الأمينة التي تحفظها لهم؟ ولم ينظروا إلى المجتمع العربي والإسلامي الذي له الحق في تلك الأموال التي وهبها الله للأمة بشكل عام ويستشيرونه بل ذهبوا إلى الشركات العالمية الغير إسلامية لأخذ الاستشارة منهم ووضع الدراسات والحلول، فنظرت تلك الشركات إلى مصلحة شعوبهم ولم تنظر إلى الشعوب العربية والإسلامية التي هي صاحبة المصدر لهذا المال والثروة المستخرجة من المنطقة العربية والإسلامية ولكنهم ذبحوا الجاموس لأن العيب في حلّابها.
وانطبق على حكّام العرب والمسلمين ورؤوس الأموال العربية والإسلامية قول الله عز وجل في قصة بني إسرائيل التي ذكرت في سورة البقرة (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)) وعلينا أن نكون منصفين في أن حكّام العرب والمسلمين لم يتجهوا إلى الله بل خرجوا عن تعاليم الإسلام ولم يعملوا مثل بني إسرائيل الذين نفذوا في الأخير ما أمرهم الله به وذبحوا البقرة وما كادوا يفعلون، ولكنهم ذهبوا إلى الشركات العالمية مخالفين تعاليم الإسلام ووضعت تلك الشركات الرأي على حكّام العرب والمسلمين ورؤوس المال العربي والإسلامي بأن المكان الأمن هو البنوك الغربية والاستثمار في الشركات الغربية وقالوا لهم الأن جئتم بالحق وإنا بعدكم مهتدون، ولم يأخذوا الدروس والعبرة ولم يتّبعوا القران الذي فيه النجاة للأمة العربية والإسلامية ولقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من أعداء الإسلام بقوله تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ()120 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52))

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذرنا منهم بقوله (وَقَالَ عبد الله إِن الله عز وَجل لم يخلق شَيْئا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا جعل لَهُ نِهَايَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا وَينْقص وَيزِيد فالإسلام الْيَوْم مقبل وَله ثبات ويوشك أَن يبلغ نهايته ثمَّ ينقص الدّين وَلَا يزِيد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَآيَة ذَلِك أَن تَفْشُو الْفَاقَة وتقطع الْأَرْحَام حَتَّى لَا يخَاف الْغنى إِلَّا الْفقر وَلَا يجد الْفَقِير من يعْطف عَلَيْهَ)، وعن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ باعا كباع وذراعا كذراع وشبرا كشبر حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب لدخلتم قُلْنَا يَا رَسُول الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالَ فَمن) وَقَالَ هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه إِنَّمَا هلك بَنو إِسْرَائِيل حِين نَشأ فيهم أَوْلَاد سَبَايَا الْأُمَم قبلهم فوضعوا فيهم الرَّأْي فهلكوا، وَقَالَ ابْن مَسْعُود الْقَصْد فِي السّنة خير من الِاجْتِهَاد فِي الْبِدْعَة، وَقَالَ خَالِد الربعِي بَلغنِي أَنه كَانَ فِي بنى إِسْرَائِيل شَاب قد قَرَأَ كتابا وَعلم علما وَأَنه كَانَ مغمورا فيهم وَأَنه طلب بقرَاءَته الشّرف وَالْمَال فابتدع بدعا أدْرك الشّرف وَالْمَال فِي الدُّنْيَا حَتَّى أَمن بِهِ وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فتفكر لَيْلَة وَهُوَ على فرَاشه فَقَالَ فِي نَفسه هَب هَؤُلَاءِ النَّاس لَا يعلمُونَ مَا ابتدعت أَلَيْسَ، وقال ابن مسعود: «خط لنا النبي صلى الله عليه وسلم خطا، ثم خط إلى جانبه خطوطا، ثم قال للخط الأول: هذا سبيل الله يدعو إليه، وقال للخطوط: هذه سبل الشيطان، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} » فحذر من البدع ومحدثات الأمور. ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ !». إن الثروة العربية اتجهت إلى المجتمع الغربي فبنوا الاقتصاد في داخل شعوبهم وأوجدوا فرص عمل للأيدي العاملة لديهم بينما المواطن العربي والإسلامي يتسول العمل الذي لم يجده في وطنه لأن مالهُ مسلوب والإيرادات العربية والاسلامية مسلوبة بيد أعداء الأمة. إن العالم الغربي أصبح منارة للعلم في هذا العصر وقاموا بخدمة البشرية واخذوا ما في جيوب العالم العربي والإسلامي من الأموال ولم يكتفوا بما لديهم من الثروات العربية والاسلامية بل أخذوا ما في جيوب المواطنين العرب والمسلمين من الأموال واستخدموه فيما ينتجونه من التكنولوجيا والغذاء وغيرها. إننا في القائمة الاخيرة من التخلف العلمي والاقتصادي رغم أن البلدان العربية والإسلامية من البلدان الخصبة في الإنتاج الزراعي لو أحسنّا الاستثمار في ذلك فيكون عندنا الاكتفاء الذاتي ونصدّر لهم الفائض، مضاف إلى ما تمتلكه الأمة العربية والإسلامية من الثروات البترولية والمعادن النفيسة وغيرها من الثروات التي تقوم بها عُصب الحياة في هذا العصر ولدينا قوى بشرية متساوية مع القوى البشرية الموجودة في الدول الغربية والشرقية ونستطيع أن ننافسهم في الصناعات التكنولوجية وغيرها. إننا نسمع في الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء بأن العلاقات ندية بيننا وبين المجتمعات في العالم ونحن نقول لحكّامنا أن ذلك غير صحيح أو واقعي، حيث أنهم أصبحوا لاحول لهم ولا قوة في هذا العصر ولم يقوموا بعمل شيء داخل شعوبهم إلا بحسب ما تُمليه عليهم الدول العظمى في العالم بينما يقول حكّام العرب أن العلاقات ندية، ونحن نتسأل كمواطنين عرب ومسلمين كيف ندية وطيرانهم يقصف كل يوم داخل المنطقة العربية والإسلامية بدون علم حُكاّم العرب والمسلمين وهم في الحقيقة يتلقون الخبر مثل أي مواطن عربي أو مسلم، وفي الحقيقة هم ليسوا حكّاماً بل خدّاماً لهم مُنفذين لما يُؤمروا به من الدول العظمى وينفذونه داخل شعوبهم وفقا لما تراه نظرياتهم ومصالح شعوبهم داخل الوطن العربي والإسلامي. إننا والمال العربي والإسلامي تحت الوصاية الدولية وعملائهم فوق رقاب الأمة العربية والإسلامية وهذه هي حقيقتنا مع أعداء الأمة، فهل من شخصية عربية أو إسلامية تتلقى بركة مدّبر الكون بدلاً من بركات العلمانية والصهيونية المُفرغة من القيم والأخلاق الإنسانية؟ إن القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما تكتنزه الأمة من المراجع الإسلامية جدير بأن يكون نواة حقيقية لاستخراج دستور عالمي يُحافظ على جميع حقوق البشرية وما في الكون من الحياة لأنه يحمل قيّم ومفاهيم عادلة للبشرية جمعاء وتكون الأمة العربية والإسلامية هي المنارة لحياة البشرية جمعاء (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39))

بقلم الشيخ عزيز بن طارش سعدان شيخ قبلي الجوف برط ذو محمد