مقالات وكتابات


السبت - 12 أكتوبر 2019 - الساعة 06:08 م

كُتب بواسطة : محمد مرشد عقابي - ارشيف الكاتب



انجبت أرض الحواشب وماتزال تنجب كوكبة من اشهر وألمع الشخصيات التي اثبتت وجودها المؤثر في مختلف الساحات والمجالات الإبداعية ومنها مجال الأدب والشعر، ومن ثلة النوابغ والكوادر التي تمخضت هذه البلاد لتلدهم وتضعهم كمبرزين على الساحة يأتي أسم كلهوم كشاعر مبدع ومحترف يتمتع بحس احترافي وكلمة شعرية معبرة، هذا الشاعر المتميز جمع في لون شعره اطياف متعددة لتحتوي قصائده على مجمل الوآن الشعر العربي القديم والحديث والمعاصر وهو بذلك يضاهي ببروزه كظاهرة شعرية فطاحلة الشعر على المستوى المحلي والعربي الذين اثروا المكتبة الأدبية والشعرية العربية بآلاف القصائد والأبيات والخواطر المحاكية للواقع المعاش بمختلف تحولاته ومجالاته وبما يتوازى ويتوافق مع الأذواق العامة ونصوص ودوائر المتعة والأداء والنص، ويعد الفقيد الشاعر كلهوم احد ابرز رواد الحركة الثقافية في بلاد الحواشب المترامية بل يعتبر احد أعلامها البارزة في المجال الأدبي الراقي، ترك هذا المبدع ورائه ارثاً شعرياً وتركة أدبية كبيرة لم تخلد بل يطالها اليوم الأهمال والنسيان بعدما عانى صنوف الإهمال والتهميش طوال حياته، تعلقت لغة هذا الشاعر الكبير بمربعات اللذة النصية ومثلثاتها الإبداعية بمختلف الأنماط، مشى الشاعر كلهوم على خطى المنتمين إلى نمط القوافي كما كان متميزاً ومبدعاً في تسوية الخاطرة الشعرية والمقالة الشعرية القصيرة والأمثال، وسار الشاعر كلهوم في الكثير من اشعاره على خصائص نمط الغزل والمدح والهجاء، تميزت معظم اعماله الشعرية برومانسية الطرح وباللهجة العامية والكلمة الشعبية المعروفة بمدلولاتها ومعانيها فاستطاع بذلك ان يأسر أذواق الجميع، لامست اشعار كلهوم جميع المشاعر والأحاسيس والمخيلات، فقد كانت له الكثير من القصائد التي خاطبت الواقع السياسي والإجتماعي، كما كان له اسلوب شعري ناقد لأوضاع البلاد، كما رثت العديد من قصائده اوضاع البلاد الماسأوية التي عاشتها الحواشب، ولد الشاعر كلهوم في قرية حبيل مسويدا في اسرة فقيرة جداً وترعرع في البيئة هذه القرية النائية متنقلاً بين جبالها وسهلها والوادي ليستلهم من اجوائها سر ابداعه الشعري، تفجرت قريحة كلهوم الشعرية وهو في سن مبكرة من عمره واستهوى هذا المجال واحبه وارتبط فيه ارتباطاً وثيقاً فانشده جل قصائدة متغنياً بقريته وغوانيها وبحالها واحوال اهاليها، ارتوت مهجة الشاعر كلهوم ابداعاً لينثر هذا الأريج الأدبي الفواح نثراً وشعراً بلوعة مشتاق اضناه النحيب، انتقد شاعرنا من خلال قصائدة القبح ووصف الجمال وتغزل فيه، عاش هاوياً لكل ما هو جميل ومتميز ناقداً بببت القصيد كل اشكال القبح والظلم والهجران، بدت تلك الملامح بارزة في الصور الشعرية للشاعر كلهوم والتي ارتقت به الى مصاف المتألقين والمبدعين من رواد الرأي والكلمة، تجلت وتوافقت أصباغ من أشعار كلهوم بحسب شخصيته وتجاربه وثقافته في العموم والخصوص وبذلك التوافق بدت الصورة راقيه في بناء لغة الشعر وهندسة القصيدة وتكنيكها، ومن يطلع على شذرات من قصائد الشاعر كلهوم يلحظ متجليه وواضحه وفيها من الطراوة والألق والتجدد ما يجعلها تتواكب مع كافة الأزمنة والمتغيرات، وعند النظر الى المفردة والتركيب وسبك البيت وحبك المعنى يجد هذا الشاعر قد تفرد بالتميز في هذا الجانب بل وتعملق على الكثير من شعراء عصره الذهبي، كما قد خلت من الطابع المظهري بل كان معظمها يميل للقافية الكلاسيكية والرومانسية الى ابعد الحدود، لم تكن اشعار كلهوم تنطق بالعامية رغم تحصيله العلمي المتواضع بل كانت له ذخيرة علميه واسعة ناهيك عن آفاق المعرفة التي كان يتميز بها عن غيره من شعراء الحواشب من ابناء ذلك الجيل، كان رؤية الشاعر كلهوم لمفهوم الشعر وغايات القصيدة والموقف من القصيدة تدل دلالة قاطعة على تفتح مداركه وتمتعه بحس ثقافي وعلمي ومعرفي واسع يسبق عمرة منذ البداية، استخدمت قصائد شاعرنا في معالجة العديد من المشكلات الإجتماعية لملأمستها ذلك الواقع المعاش فكانت الغالبية العظمى منها عبارة عن نصوص مبعثرة في أماكن تلمها قضية معينة، دونت قصائد كلهوم بأقلام محبين لا يتعمق الكثير منهم في قراءة وحب الشعر ولا التمعن في مدلولاته او تفهم قيمته لذلك اندثرت الكثير من الدرر الشعرية بسبب عدم توثيقها وتخليدها وارشفتها، بل ان معظم قصائد كلهوم متداولة فقط على ألسنة بعض المحبين والمعجبين بشعره الذين حفظوا له نصوصاً تعد هي كل ما بقي له من نتاج وارث شعري تركه بعد وفاته وكان سبباً في بقاء اسمه يتردد على أفواه رواة الشعر اليوم كل ذلك بسبب التجاهل والإهمال والظلم والتهميش، يعد الشاعر كلهوم ايضاً من عمالقة شعراء العصر في بلاد الحواشب بمحافظة لحج وهو من بين القلائل الذين يمتلكون الفطرة الشعرية وسرعة بديهة الإلقاء الشعري وهو من الشعراء المخضرمين الذين أعادوا النظر في القصيدة الشعرية العامية ونسجوا منها خيوط التألق والإبداع للتتحول الى ملاحم شعرية تحاكي عدة وقائع وقائع في مختلف الأزمان، شاعرنا كلهوم نظم العديد من الأبيات التي غيرت الموازين الشعرية بمختلف انواع القصائد، وهو الشاعر الوحيد الذي تمكن وبإقتدار من سبك الشعر وانشغل بتنقيحه واعتنى بهندسته ودقق في تكنيكه وتفاصيله، وقد عمقت قصائدة كافة الروئ والأفكار وتنوعت موقفاً وتزينت بواقع فني راقي وابداع وتناسق متناهي، ألتزم شاعرنا بالحيادية في فلم يجعل من اشعاره وقصائدة تميل لأي إنتماء، بل ألتزم بأدبيات وأخلاقيات مهنة الشعر الراقية التي تخاطب المشاعر الجياشة وتحكي في الغالب ما يدور بين الضلوع والجوانح من هوس وهوى وأشجان وما تبوح به اللواعج من فرح وحزن واشتياق وما تصدح به الاهآت من فيض احاسيس مرهفة ولوعة الوجدان وتعابير جميلة تفضح خفايا واسرار افئدة المحبين والعشاق، كما كان كلهوم أقرب في شعره إلى المستغرقين في الذات ومشكلاتها، فقد حمل وزراً من زينة تلك الذات ومن مباذلها، اليوم وبعد مفارقته لهذه الدنيا هل يجود الزمن بمن يكلف نفسه بتخليد وتوثيق وأرشفة هذا الأرث والتراث والتركة الشعرية الكبيرة لهذه القامة الحوشبيه الأدبية العملاقة التي تركت ارثاً وهوية ثقافياً واجتماعياً لهذا البلد طالها الإهمال والنسيان في السابق واصبحت اليوم اكثر من اي وقت مضى مهددة بالمحو والطمس والإندثار.