مقالات وكتابات


الجمعة - 12 يوليه 2019 - الساعة 06:01 م

كُتب بواسطة : وليد ناصر الماس - ارشيف الكاتب



موضوع أقلقني كثيرا, وترددت مرارا بالكتابة عنه, ليقيني بعدم جدوى حديث كهذا, كوننا نعيش في مجتمع تفسخت الكثير من قيمه الإيجابية, وتدنت مستويات الوعي لدى أفراده, وقبل هذا كله لا توجد فيه قوانين نافذة تُحترم. فالدولة المركزية التي يُعول عليها قد تلاشت تدريجيا لتحل القبيلة المتخلفة مكانها.
سأتحدث والألم يعصر قلبي عن سلاح فتاك يحصد أرواح المواطنين بشكل شبه يومي في بلدي, أنها الحوادث المرورية, تلك الحوادث التي ارتفعت نسبها بشكل مخيف, دون إن نسمع أو نرى أي دور للأجهزة الأمنية والسلطات التشريعية لوضع حد لهذا النوع من القتل, فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن حادث مروري هنا أو هناك.

تتعدد أشكال حوادث المركبات المختلفة في بلادنا بين حوادث دراجات نارية وحوادث سيارات وحوادث شاحنات كبيرة.

عندما تسمع عن الحوادث المختلفة والسرعات الجنونية والمخالفات الكثيرة, ستدرك حينئذ أنك تعيش في بلد تحكمه شريعة الغاب, وأن الدولة التي يحاول البعض تصويرها وتلميعها قد اختفت تماما.
والمحصلة النهائية أرواح بشرية بريئة تزهق وأسر تفقد عائلها, والمتسبب بالقتل تنتظره دائما تهمة القتل بالخطأ.

فإذا نظرنا لكثير من بلدان العالم من حولنا التي تحترم مواطنيها وتولي قيمة لحياتهم, لرأينا كيف تُعطى أي حادثة تستجد اهتمام كبير, حيث تُجري البحوث حولها لتقصي أسبابها ومعرفة دوافعها الحقيقية, والبحث عن وسائل تساعد في تجنب تكرارها مستقبلا بأي صورة.

وعلى نفس الصعيد فلقد كانت جمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة دولة يسودها القانون الذي لا يُتجاوز من أحد, فلا يُسمح لأي مواطن أن يستهتر بحياة الآخرين وأرواحهم, فنُظمت اللوائح العقابية الرادعة للمتهاونين بالبشر, وفعّلت الدولة من دور الأجهزة الأمنية والقضائية ونُظمت حركة المرور بشكل مناسب, وجرى الإشراف على قيادة المركبات والأنواع المسموح بها منها, مما ساهم ذلك في خفض نسب الخسائر الناجمة عن الحوادث المرورية, وتقليص عددها.

ولكن بعد خطيئة الجنوبيين عند الوحدة مع الشمال المتخلف, دخلت البلد في مستنقع حقيقي على مختلف الأصعدة, حيث انحسرت سلطات الدولة وفقد القانون هيبته, وحلت الأعراف والأحكام القبلية مكان القوانين والأنظمة الحكومية, واستشرى الفساد والرشوة في أوساط الأجهرة الأمنية والقضائية, مما تسبب في التهاون بحياة المواطنين دون أي اعتبار يذكر.

ولو تتبعنا الأسباب والعوامل المؤدية للحوادث المرورية التي يشهدها بلدنا, لتبين لنا أن أهم سبب يقف وراءها يتمثل بعدم التزام المواطنين بالقوانين المنظمة لقيادة المركبات المختلفة, وقيام الكثير منهم ولاسيما الأطفال بقيادة بعض المركبات دون حيازتهم على تراخيص رسمية, وهناك الكثير من تراخيص القيادة تمنح للمواطنين دون أي استحقاق, ولكن عن طريق الرشاوى والوساطات.

كما نلاحظ تهاون واضح باللوائح والإرشادات المرورية, حيث تجد معظم المخالفات المرورية تنتهي بالإفراج عن صاحبها مقابل حفنة من المال تدفع لجهات وأشخاص بعينهم دون الاكتراث بنتائج هذه الأفعال.
ولم يصل إلى مسامعنا إطلاقا أن هناك قائد مركبة ما تعرض للعقاب بفعل تسببه في حادث مروري أزهق خلاله أرواح بشرية كما ينبغي أن يحدث, بل أن الحوادث المرورية تنتهي في غالبها بحلول عرفية دون أن يكون للسلطات الحكومية أي دور فيها, اللهم حين يتعلق الأمر بالمقابل المادي الذي يجب أن يُدفع لتلك الجهات بطريقة غير مشروعة, مقابل إنهاء ملف تلك القضايا من أروقة السلطات الأمنية والقضائية, لتحول عملية الفصل فيها للسلطات المحلية التقليدية ممثلة بالمشائخ والعقال والشخصيات الاجتماعية, والتي لا يختلف اثنان عن طبيعة الحل التي ستطرحه تلك الزعامات القبلية والمتمثل بتقديم رأس من البقر أو رأسان إلى أهل الضحية وقد تزيد أو تنقص البقر وذلك تبعا للمكانة العائلية والاجتماعية والاقتصادية التي يحتلها الضحية وأسرته, دون وضع أقل اهتمام للأسباب التي أدت لهذا الحادث أو ذاك, والتي تبدو في معظمها ناتجة عن تسيب وتقصير ولا مبالاة من قبل قائد المركبة.

وهكذا تنتهي كل حادثة مرورية مؤسفة في بلدنا, لنسمع بحادثة أخرى لا تقل فضاعة عنها.
وعليه فمسلسل الحوادث المرورية الدامي في بلدنا سيستمر طالما وجدت هناك المزيد من البقر.

والله على ما نقول شهيد.