مقالات وكتابات


الأربعاء - 26 يونيو 2019 - الساعة 01:25 م

كُتب بواسطة : سالم الفراص - ارشيف الكاتب


هكذا أصبحت كل الدروب صعبة الارتقاء، مليئة بالحفر والمطبات والحقول الغائمة.
فالدرب الذي كنا نقطعه على صوت أغنية واحدة، وربما على مقدمة موسيقية، أصبح يحتاج إلى مجلد أغاني أم كلثوم.. هذه الفنانة التي اشبعت أرواحنا بالهدوء والسكينة والانسجام لم يعد يعيننا شيء على إعادة تلمس ما فيها من رقة وحنان ومكابدة أشواق، لا بل أوشكت أن تغرقنا فوضى قرع الطبول وأزيز المزامير ونوتات العزف المتطابقة قبل وأثناء وبعد كلمات ضلت طريق الفرح والانبساط، وخالفت منابت الاخضرار والخيال والمتعة، وفضلت الانحشار في ما هو مستوحش ومبغوض من الكلمات والادعاءات والصراخ الذي لا نهاية له.
فوضى (ألحان) مستحدثة ضالة مضلة كل ما تريده وتنطلق لتبحث عنه وتقرره في وجدان الناس هو كل غريب عنها وكل ما ليس له علاقة ورابط بالأرض والإنسان والهوية.
أغان فاقمت من وحشة الطرق، وأحبطت منافذ ومناقب التطلع إلى كل جديد ومألوف، ومشاعر التحفز للارتحال المتواصل مع إشراقة كل صباح ودنو ساعات الأصيل، والالتحاق بما تنضح به أوقاتهما من إعادة تشكل وامتلاء وتطلع.. أغان ومواويل موحشة مرعبة وسلالمها الموسيقية التي ترتكز عليها هي أزيز رصاص ونداءات غل وحقد وثأرات مستجلبة اساسها الضياع وغايتها مزيد من الضياع.
طرق وأغان ونداءات جعلت الارتحال كل يوم ارتحالاً شائكاً مليئا بالظنون والتوقعات.
حفر ومطبات وخنادق أوحال ومجارٍ وأجواء تضج بالروائح المنتنة، والغبار الخانق، والزحام الذي يفوق كل احتمال.
حفر ومطبات وصرخات وأزيز انغام متشابهة التصدير والإصدار لا يهم من هو كاتبها ومن يعكف على الاسراع في تلحينها ونشرها وإرغام الناس على سماعها والإنصات لها دون اعتراض أو تعليق أو حتى ابتسام.. جينات غريبة لم يتسنَّ بعد لأحد ان يخوض في أصلها ومزارع غرسها وتنميتها، ولم يتم بعد قراءة واستكناه نوازعها ومجالات أنشطتها كاملة.
دروب خرجت عن اطار المفاضلة والتفضيل بعضها من بعض، وإن قررت المرور إلى عملك أو مكان تسوقك أو بحثك عن لحظة هدوء وسكينة في مقهى أو شاطئ فلا بد ان تتلقفك كل الدروب بنفس النشاط والأداء والمقابلة، محولة رحيلك أو لنقل انتقالك عليها إلى ضرب من المغامرة والمقامرة التي لا مندوحة من خوضها ومواجهتها.
دروب بما لها وبما عليها من نزق وطيش وتطفيش ممدودة غير ممنوعة من تتبعك، بروائحها وصخبها وتنكرها، إلى دارك ومحيط مبيتك تترصدك بيقظتك وغفوتك ومقيلك، منشبة في خاصرتك وذراريك مخالب وأنياباً ونبالاً حداداً.