مقالات وكتابات


الخميس - 06 يونيو 2019 - الساعة 05:31 م

كُتب بواسطة : أنيس البارق - ارشيف الكاتب



لم أكره عدن قط مثل كرهي لها هذه الأيام.. لا شيء جميل يمكن أن ينبثق الآن من بين ركام الجحيم الذي خلفته الانقطاعات الطويلة والمؤلمة للتيار الكهربائي.. أشعر أحياناً أنني أريد أن أكيل لعناتي المتواصلة على ناظر المدرسة الذي طرد الطفل "توماس ألفا أديسون" فتحول بدافع الانتقام إلى مخترع للكهرباء التي لولاها لما ارتبطت كل مقومات الحياة المدنية المعاصرة بهذا الكم الهائل من الأجهزة الإلكترونية التي لا تعمل إلا بالتيار الكهربائي بعد أن كنت أردد "تحية لعبقرية الإنسان" كلما كبست زراً يبعث الحياة في أحد هذه الأجهزة المشلولة معظم اليوم الآن.

 

يتفنن عشاق "نظرية المؤامرة" في الحديث عن أسباب هذه الانقطاعات الكارثية للتيار الكهربائي عبر ثلاث نظريات تقول أولاها إنها "مؤامرة لإشغال الناس بالحياة اليومية بعيداً عن السياسة"، وتنص النظرية الثانية على أنها "نتيجة صفقات مولدات كهربائية صينية للاستخدام المنزلي غزت الأسواق مؤخراً"، فيما تفترض النظرية الثالثة أن ما يجري هو "استعراض قوة من رجال النظام السابق"، لكن لا أحد يظهر مثل هذه البراعة في "التحليل" عند الحديث عن "الحلول".

 

بقايا الكائنات البشرية التي ذابت تحت موجات الحر المنبعثة من ذلك النجم البعيد المسمى "الشمس" تتحول تدريجياً إلى تنانين تنفث النار من فمها ومخلوقات أخرى انقرضت قديماً ولم نعد نسمع عنها سوى في "حكايات ألف ليلة وليلة" أو "رحلات السندباد البحري" الذي تتنازع عُمان والعراق جنسيته.

 

أنت لا تحتاج إلى مجهود كبير لتعرف أثر انعدام النوم في عينين غارقتين في هالتين حالكتي السواد أو عينين ناتئتين بكرتين حمراوين يتطاير منهما الشرر، كما أنك لا تحتاج لمعرفة أن صديقك المهندم -الذي كان هاتفه المحمول مطفئاً طوال اليوم لأنه لم يتمكن من شحن بطاريته في ظل انقطاع الكهرباء ويرتدي اليوم قميصاً تظهر عليه آثار أودية وهضاب ومرتفعات- لم تتمكن شقيقته من استعمال "المكواة" نتيجة انقطاع التيار الكهربائي فأتى إليك هو بهذه الهيئة في حين أن شقيقته شكرت ربها على ذلك.

 

بعد أن تتحول المنازل والشوارع العامة إلى أجهزة للطرد المركزي تتحول المجمعات التجارية المزودة بأجهزة التكييف المركزي إلى ملاذ آمن ومن حولها تزدحم طوابير طويلة من المركبات العامة والخاصة كأنها عرش "إبليس" على الماء تحفه الثعابين.. ولا بأس هنا وأنت على متن إحدى هذه المركبات من سماع النظرية الرابعة عن المؤامرة التي يحيكها التجار الجشعون مع الجهات المسؤولة عن الانقطاعات لجذب الزبائن إلى هذه المجمعات بالمكر والخديعة.

 

نسبة الرطوبة التي تتنافس أيام الأسبوع لتسجيل أعلى أرقامها تجعل تلك المشاهد التي تراها من خلف زجاج السيارة تبدو وكأنها سديمية تحاكي أحد مشاهد إعياء بطل فيلم هوليوودي تتراءى له صورة طيفية لواحة خضراء وهو يلهث على سطح كوكب المريخ رغم أنك لم تعد تشاهد الأفلام كثيراً لأن الكهرباء تنطفئ بمجرد دخولك باب منزلك, وعبر الأثير ومن على مسافة بعيدة يخترق صوت مذياع عتيق جدار الصمت المطبق على المكان بأغنية "جنة عدن يا جنة", فتتمنى لو أنك تملك – لوهلة – ذراع "لوفي" في مسلسل الكرتون الياباني الشهير "ون بيس" لتمنح صاحب المذياع لكمة فولاذية من نوع "جومو جومو نو".

 

5-6-2013