مقالات وكتابات


السبت - 14 أبريل 2018 - الساعة 06:53 م

كُتب بواسطة : سعيد النخعي - ارشيف الكاتب


بعد أن قرر المجلس الانتقالي إسقاط حكومة بن دغر ، ووعد أنصاره بإسقاط المناطق المحررة ، واستبدال الشرعية الدستورية بالشرعية الثورية ، وتعهّد لأنصاره بكنس الجنوب من عدن حتى المهرة من الشماليين والعفاشيين والاصلاحيين وأزلامهم وأذنابهم الجنوبيين ، وقطع على نفسه عهدا ، أمام أنصاره أن تكون الجنوب خالصة لهم ، ولأنصارهم دون غيرهم ، لايشاركهم فيها شمالي ، ولا جنوبي ، ولا عربي ، ولاعجمي ، إلا من ارتضى أن يكون ذيلا ، والذيول يعلم الجميع الدور الذي يناط بها ، والمهمة التي خلقها الله لها ، والتلميح عن مهمة الذيول يغني عن التصريح ... وزِع الشعب إلى ثلاث فئات، قيادات ، وأنصارا ، وذيولا ، ومابقي من الشعب تم توزيعه على ثلاث فئات أيضا ، اصلاحيا ، عفاشيا ، حوثيا ، وتجتمع الفئات الثلاث الآخيرة تحت عنوان الخيانة والعماله ، وبهذا التقسيم زاد الانتقاليون فئة ، على تقسيم الحوثيين حين قسموا الشعب إلى فئتين قناديل وزنابيل ، ولابأس هنا أن يزيد الجنوبيون صنفا ثالثا ؛ ليثبتوا للآخرين تميّزهم وحفاظهم على سلوك المزايدة المتوارث فيهم من أيام مرحلة ( إضافة إلى ماقال : الرفيق لينين )

في حدث غريب عجيب ، لم يحدث في أي بلد من العالم ، ولم يشهده مجتمع من مجتمعات العرب والعجم ، ولا شعب من شعوب المعمورة المشهورة منها أوالمغمورة ، وهو مهرجان ساحة العروض ، الذي خرج بتفويض عيدروس الزبيدي بتشيكل مجلسا انتقاميا عفوا انتقاليا ، لإدارة الجنوب ، وإعلان استقلاله ، أو فك وثاق رباطه ، وكأنه حمار ضرب له قيدا بأحدى رجليه ولاينتظر سوى فك رباطه فقط ، ليعود لممارسة حياته بين أفراد القطيع .

زمجر المجلس الانتقالي ، ورعد ، وكأنه جمل هائج أغضبته تصرفات جمّاله ، ولم يعد يرى من الوجود سوى مايمليه عليه غضبه ، ألقى بحمولته من على ظهره ، أكل لجامة ، ورمى بكل الأعراف والتقاليد التي تنظم العلاقة بين الجمل وجمّاله ، كما هو متعارف عليه في قوانيين الجماله ، والحمالة ، والبتالة لم يحسب الجمل حسابا لما بعد الغضب ، إذ لم يترك له غضبه سعة من أمره ، للتفكير في خط الرجعة إذا ما أصلح الله شأنه مع جمّاله ، وأعاده الله إلى زريبته التي ليس له مأوٍٍ سواها .

قرّر الانتقالي إسقاط الحكومة ، وسبق ذلك بحشد إعلامي ليس له نظير ، إلا حملات المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية ، أُطلقت صافرت البداية ، للرؤوس والأذناب والحوافر والنعال ، بالانطلاق نحو الهدف الأسمى ، والحلم الأغلى ، والشرف الأعلى ، الذي لايضاهيه حلما أو عملا أو إنجازا ، وهو استعادة الدولة الجنوبية ، وعاصمتها عرن ... هاجت قيادة الانتقالي وهاجت معها القواعد ، فحين استبّد الغضب بالجمل في الواقعة السابقة ، والقى بحمولته عنوة رغم أنف جماله ، وأكل لجامة ، وقطع قيده ، ونزع خطامه حتى خرم أنفه ، وسألت دماؤه حتى أمتزجت برغوة غضبه المتدفقة من على جوانب شدقيه ، مرددا لا جماله ، لا حماله ، لا بتالة ، لا صاحب بعد اليوم ولا زريبة ... فرؤية صاحبه لاتذكره إلا بالعبودية ، والزريبة لاتذكره سوى الرّق ... فأملت ثورة الغضب على الجمل إن الحرية منه قاب قوسين أو أدنى ، تماما كما أملت على قيادة الانتقالي وأتباعه وأذنابه وحوافره ونعاله ، أن الجنوب أصبح أقرب إليهم صبيحة 28 يناير من أي يوم مضى من أيام الوحدة المشؤمة ، التي اسقطت الجنوب من علياء فردوس النعيم ، إلى دركات الجحيم ، وهاهو اليوم يتأهب لاستعادة الفردوس المفقود ، الذي يبدأ من أسقاط المعاشيق ، إذن فلتسقط معاشيق ، ولتطرد الحكومة ، وليصلب بن دغر ، والميسري ، وثالثهم صالح الجبواني جزاءا بما اقترفه لسانه ، وخطته بنانه ، ولتقطع أيديهم ، وأرجلهم ، ويصلبوا على جذوع النخل ، أو ينفوا من الأرض ، كما أخرج كبيرهم هادي ، وقبله نايف البكري ، الذي ُنفي منذ ثلاث سنوات ؛ ولايزال منفيا إلى اليوم ، حتى ذكّرني حال الرجل بحال آل لوط حين أخرجهم قومهم من قريتهم لأنهم أناس يتطهرون ، فنفي البكري لايزال ساريا ، جزاءا على مواقفه ، ونظافة يده ، ونكالا له لما يتمتع به من أخلاق فاضلة ، وكارزميا ، وقدرات قيادية مذهلة ، اخرجوا البكري من قريتكم عرن ، فوجوده يذّكر أبطال ( صورني ونا في المحجى) بعقدة النقص ، ورؤيته تضايق اللصوص ، وسرّاق النضال ، والهاربين من فئة ( يارجل شلي خذاك ) والأهم من هذا كله مرعاة لأدب الضيافة ، وعدم مضايقة ضيف عدن الكبير طارق عفاش ، فمن خوارم المرؤة أن تذّكر الضيف الذي نزل في دارك غريمه الذي هزمه ، أو أهانه ، وكأن لسان حال القائمين على أمر عدن يقول : بالعدني ( خلوه يستاهل ) البكري النفي خارج البلاد ، أو على قولنا معشر البدو ( عرّوه يستاهل ) من ُهو قال له يقع شريف ! وهو يعلم أن الشرف قد ُحمل مع القطع الآثرية القديمة إلى المتحف كواحد من الأخلاق الأثرية القديمة التي كانت سائدة في المجتمع ، يبدو إن الرجل لم يوفّق حين اختار البقاء في عدن ، يوم هرب الجميع إلا من رحم ربك ، ولو أطال الرجل التفكير ، وأحسن التدبير لأمتطى قاربا ، ونخر به عباب البحر متجها إلى جيبوتي مصطحبا معه أموال الدعم التي كانت تمر عبره للمقامة ... المهم الولد مايعرف كيف تشتغل حمران العيوان ، لهذا روّحت الناس وخلوه جالس لنفسه ! البكري هذاقطع حبل أفكاري ، وأخرجني عن الموضوع ، لهذا قلت لكم لايسلك الطريق التي يسلكها الناس ؛ لهذا عاد أعضاء الحكومة وتركوه وحيدا ، عبرة لمن يفكر أن يكون صادقا مع هذا الشعب .

بدأت المعركة وأخذت الأصوات تتعالى ، لقلة قلية ممن لم يشربوا من بحر الجنون ، يوم غرقت عدن في بحره ، أخذ هؤلاء يرددون على استحياء - خوفا مما سينالهم من عصبة المتشنجين - لاتكرروا مآسي الماضي ، لاتنكئوا الجراج الغائرة ، لاترفعوا شعار يالثأرات كليب المنتنة ، عودوا إلى رشدكم ، عدن لاتحتمل ، هؤلاء يستثمرون معاناتكم وألآمكم ، هؤلاء أعجز من أن يملكوا قرار أنفسهم ، أحذروا هؤلاء فالعقلية هي العقلية ، والخطبة هي الخطبة ، والجمعة هي الجمعة ، لكن لاحياة لمن تنادي .

لعلع الرصاص ، وقتل الأخ أخاه ، وفارقت الأرواح البريئة أجساده ، دون جريرة أو ثمن ، ونهبت المؤسسات العامة ، وهتكوا وقار السكينة ، وروّعوا الأمنين ، وعطّلوا المصالح العامة والخاصة ، ثم ماذا ؟ ذهبت الحكومة إلى الرياض ، وقضى أعضاؤها فترة نقاهة ، وتركوا عدن للقوة الممسكة بالأرض ، القوة التي تسيطر على الجنوب ، التي تمثل إرادته وخياره ... سيطرت هذه العبارات على مسامع الناس ، والبابهم ، وفعلت هذه العبارات بالعوام فعل السحر ، حتى صدقها أبو قاسم نفسه على جلالة قدره ، والشيخ صالح الذي عصى تجربة سبعين سنة من عمره ، وافقدت الشيخ هاني وقاره ، حتى انسته نشوة النصر الزائفة ، فتاوية السابقة عن الوحدة ، وتحذيره من خطر الخروج على الحكام ، نسي ذلك كله ؛ كما نسي قبلها قواعد ابن بطة في الجرح والتعديل .

عادت حكومة بن دغر ، بعد أن كفّرت عتها سلوكيات الانتقالي خطاياها ، وغسلت عنها ذنوبها بالماء والثلج والبرد ، ونفضت عنها غبار الفساد كما تنفض رياح الخريف أوراق الشجر ، وهي ليست النظيفة العفيفة ، لكن حماقات الانتقالي أضفت مساحيق غطّت كل الرتوش والتجاعيد التي كانت قبل الثامن والعشرين من يناير تغطي وجهها ، في حين يصدق على المجلس الانتقالي المثل الشعبي القائل : ( العاشق الكذّاب يفرح بالتهم )