مقالات وكتابات


الأربعاء - 17 أبريل 2019 - الساعة 07:05 م

كُتب بواسطة : عبد السلام بن عاطف جابر - ارشيف الكاتب



  هذا المقال سيكون أغلبه سرد تاريخي عن قصة حقيقية توضح كيف تدار الصراعات الدولية، ولعبة المصالح، وأن العلاقات بين الدول علاقة مصالح مطلقة، لايوجد فيها عواطف ولارحمة، ولاعيش وملح، ولاأخلاق، ولاقبيلة، ولاشرف، ولارد جميل، والشجاع المحنك "العارف بأمور السياسة"؛ يفرض أمر واقع، حتى على أكبر إمبراطورية في الأرض، والشجاع الجاهل؛ يضحي ويقاتل من أجل مصالح دول أخرى، استثمرته دون أن ينتبه. الهدف من المقال؛ تكرار كلام قلته عشرات المرات؛ من يريد مساعدة دول التحالف فعليه عدم تحميلها مواقف سياسية لاتستطيع تحملها؛ فدول التحالف سيظل موقفها مع الدولة اليمنية الموحدة، وستظل على الحياد في خلافات الأطراف اليمنية المنضوية في أطار التحالف، ويكون دورها دور الوسيط وفِي حالة أراد الشعب الجنوبي (الذي يقاتل في بقاع اليمن إلى جانب لتحالف) انتزاع بعض مكاسب الحرب، وفرض خياراته السياسية "وهذا من حقه" فهو يستطيع انتزاعها بسهولة، وفي كل جولة ينتزع مكاسب أخرى، ومن هذه المكاسب المتراكمة تنشأ الدولة . . وهذه الاستراتيجية يطبقها حزب الإصلاح دائماً . . . وكما فعل مؤخراً حزب المؤتمر-جناح عفاش (حلفاء الحوثي حتى2017) عندما عطّلوا نصاب البرلمان، واشترطوا رئاسة البرلمان ومناصب عديدة، وتوسط التحالف وتم قبول كل شروطهم . . . إن دول التحالف لن تستخدم قوتها العسكرية لضرب حلفاءها؛ لأنها لوفعلت ذلك فهي الخاسر الوحيد . . . ولذلك ستحاول بكل إمكانياتها السياسية إقناع كل الأطراف (الحليفة لها) للجلوس على طاولة التفاوض، والوصول إلى حل سياسي مناسب، يتوافق مع ميزان القوى على الأرض. انتهى الكلام الفاضي وندخل في صلب المقال: يقول لورانس في كتابه أعمدة الحكمة السبعة(لكن إرسال الآخرين للموت بإخلاص من أجل صورتي المنحوتة ليس سوى عمل لصوصي. لقد صدق هؤلاء العرب رسالتنا وآمنوا بحقيقتها، فارتضوا الموت لأنفسهم في سبيلها) .. هذا مثال عن حالة من الاستحمار التي جعلت العرب يقاتلون لتحقيق مصالح بريطانيا: دون أن يكون بيدهم أي وثيقة تضمن لهم أي شيء من الوعود الشفوية التي سمعوها من القادة الإنجليز. وضع الإنجليز إبني الشريف حسين (عبدالله وفيصل) "يرحمهم الله" في ميزان الإختبار أيهما يمكن إدارته بسهولة، وتمرير مصالح بريطانيا عبره..؟ فاختاروا فيصل لأنه كان قبيلي "دغري"؛ مقاتل شجاع لكنه لم يكن سياسي محنك، مقارنة بأخيه عبدالله الذي كان داهية من دهاة زمانه، وصاحب معرفة وثقافة ونظرة استراتيجية بعيدة المدى.. فهو الذي استطاع الإلتفاف على مشاريع نائب الملك في الهند، وأخرج الجزيرة العربية من سيطرته إلى وزارة الدفاع؛ عبر إقناع حاكم المستعمرات البريطانية في البحر الأحمر المارشال هربرت كتشنر الذي أصبح فيما بعد وزير الحربية البريطانية. وبالعودة إلى لورانس يقول (عرض الأتراك على فيصل أولاً استقلالاً ذاتياً في الحجاز، ثم الحقوا سورية بالحجاز، واتبعوا العراق بهما. غير أن فيصل بقي غير راضي. فعرض مندوب جمال باشا عليه إعلان الشريف حسين ملكاً) ورفضها فيصل جميعها لأنه صدق الكلام المعسول للإنحليز والوعود الوهمية) والغريب أن كل هذه العروض والاتفاقات كانت تجري من دون معرفة الأمير عبدالله... وأعجب شيء في أخبار ذلك الصراع؛ أن سايكس وبيكو جاءوا إلى جدة وقابلوا الشريف حسين وأبنه فيصل؛ وعندما سألهم الأمير عبدالله ماذا تحدثتم وعلى ماذا أتفقتم..؟ لم يخبروه بشيء.!! . وعندما ألح بالسؤال..؟ قال له أبوه: (لقد قلنا لهم مانريد وسمعنا منهم مالديهم) يعني باختصار "مش شغلك، وخليك بعيد" ويقول لورانس (عندما كشف الروس بعد ثورتهم على النظام القيصري حقيقة معاهدة سايكس بيكو...... قلت لفيصل: أن أفضل وسيلة لكسر مفعول الاتفاق هي تقديم عون فعّال للانكليز. عند ذلك سيكون من الصعب عليهم بعد النصر التضحية بحليف السلاح من أجل اتفاق ورقي. ولكن بما أني لم أكن واثقاً من حسن تصرف الانكليز فقد رجوت فيصل أن لايعتمد كوالده على وعودنا بل على قوته هو دون غيره) يعني بعد معرفة فيصل أن سايكس وبيكو خدعوه هو وأبيه في اجتماع جده؛ ظل مقتنع بأكاذيب لورانس... ولم ينتبه حتى لتحذيره بقوله (لاتعتمد كأبيك على وعودنا بل على قوتك دون غيرها) وفي أحد مجالس فيصل قام الشيخ الشعلان ووضع أمام لورانس إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وطلب منه رد واضح؛ ماهي حقيقة سياسة بريطانيا..؟ يقول لورانس: لم أجد ماأقوله غير أني قلت (تمسك بآخر كلام لبريطانيا فهو الذي سيحدث... وقال؛ فاعتقدوا أن آخر كلام هو الوعد الذي قلته لهم بالخيمة) وبالعودة إلى الأمير عبدالله؛ الذي اكتشفت الخديعة البريطانية باكراً، وحاول إقناع والده..؟ لكنه رفض كل نصائحه، وأبعده عن القرار السياسي، ودفع به إلى جبهة المدينة المنورة والجبهات الشرقية، وحصر الحوار السياسي مع الأنجليز به وبالأمير فيصل... وبعد استسلام فخري باشا وتسليم المدينة المنورة ؛ أنتقل إلى فلسطين وتحديداً شرق نهر الأردن، وكان معه مجموعة من أصحابه ومرافقيه، فوجد أن الأنجليز غير مرحبين به، وأن الصفقات اقتصرت على أخيه فيصل، وتأكد أن كل الوعود البريطانية كانت كما توقعها "كذب وخديعة كبرى" وشاء الله أن تعيد قبائل المنطقة ترتيب صفوفها وتطلق ثورة ضد الإنجليز-فلسطين والفرنسيين-سوريا . . . وعجزت بريطانيا عن حماية نفسها من غارات الثوار، وعن حماية حليفتها فرنسا في سوريا.... فاستعانت بالأمير عبدالله..؟ الذي طلب تأسيس مكتب لإدارة شرق نهر الأردن برئاسته مقابل مساعدتهم . . وتم تأسيس المكتب . . . واعترض الصهاينة معتبرين تشكيل الإدارة مؤامرة للتنصل عن وعد بلفور للورد ليونيل روتشلد بالوطن القومي لليهود على أرض فلسطين. وعادت ثورات القبائل العربية من مناطق أخرى غير مناطق أدارة الأمير عبدالله؛ فجاء داهية بريطانيا وزير المستعمرات تشرشل؛ وقابل الأمير.؟ وطلب مساعدته، فطلب الأمير بالمقابل توسيع نطاق سلطته، وتسليح قواته، وجلب مدربين إنجليز لبناء قوات نظامية... وثارت ثائرة الصهاينة... واستمرت الثورات؛ واستمرت بريطانيا بالإستعانة بالأمير واستمر الأمير في وضع الشروط والمقابل... واستمر غضب الصهاينة في العالم... كانت بريطانيا بين خيارين؛ أما حماية نفسها وتحالفها مع فرنسا أوالتنازل عن جزء من وعد بلفور... فاختارت التنازل للأمير عبدالله؛ واستطاع هذا الرجل انشاء دولة، واقتطاع ثلثي أرض فلسطين المقدسة . . . وبنى دولة من العدم؛ أنتزع أرضاً من أيدي أكبر أمبراطوريات الأرض في ذلك الزمان، ومن أيدي الحركة الصهيونية والماسونية العالمية، التي كانت أميراطورية بحد ذاتها.  المحزن العجيب في قصة الأميرين عبدالله وفيصل؛ أن الأمير عبدالله في كتب العرب خائن، وقتله شاب فلسطيني بتهمة الخيانة، بينما الحقيقة أنه كان بطل تحرير ثلثي أرض فلسطين، وكل زعماء العرب الذين تشدقوا بقضية فلسطين وفي كتب التاريخ يذكرون كأبطال لم يحرروا شبر واحد منها. ختاماً؛ أرجو أن يؤخذ كلامي كمعلومات تاريخية فقط.. ولايؤخذ على أنه تحريض ضد السلطة الشرعية لانتزاع مكاسب جنوبية يجب انتزاعها اليوم..؟... فأنا قطعاً لاأحرض؛ لأني شخصياً لم أعد أحتمل ضربات إضافية؛ كما قال لي أحد الأصدقاء، السفير أبومحمد (كلما أوشكنا على إخراجك من الحفرة أطلقت تصريح يرجعك إلى قعر الحفرة، أرجوك أسكت) ولذلك فأنا ساكت لاأتدخل في شئون الصراع اليمني