مقالات وكتابات


الإثنين - 15 أبريل 2019 - الساعة 08:53 م

كُتب بواسطة : محمد صائل مقط - ارشيف الكاتب


في بداية السبعينات من السنين العابرات .. لحكم الرفاق ... كان الاستاذ صالح امنقي رحمة الله عليه وطيب الله ثراة ... رئيسا للاشراف التربوي لمركز الوضيع .. التابع للمحافظة الثالثة زنجبار .. يقوم بالتفتيش الدوري من كل يوم خميس من أيام الاسبوع ...
ويشمل التفتيش الدوري .. نظافة الملابس وحلاقة الشعر وتقليم الاظافر .. وكنت حينها من تلك الايام يتيم ولم تنقضي على موت والدي غير اشهر معدودة ... وكنت حينها مثيرا لسخرية والشفقه في آن واحد من قبل زملائي .. فأنا معدم واعتمادي بعد الله على أمي الارمله ترقع لي القمصان وتخصف لي الحذيان ...
وفي احد الايام وقبل بداية التفتيش .. كتبت على راحة يدي وبقلم احمر الحب عذاب ...
وحينما بدا التفتيش قضمت اظفاري بأسناني .. قبل وصول الاستاذ صالح امنقي لتفتيشي .. وحالما توصل فتحت راحة يدي ليتأكد الطيب صالح من تقليم اظافري .. لكنني نسيت أنني كتبت على راحة يدي الحب عذاب ..
ولم اعي ولست ادري ماذا تعني تلك العبارة لطالب مثلي .. من تلك الايام لايتجاوز الثانية عشر من عمرة ..
فأمرني الاستاذ امنقي ان اخرج امام الطابور .. ومثل بي ايما تمثيل قائلا انظروا الى شكل هذا الطالب والذي يشبه بعامل مقهى .. وقد كتب على راحة يدة الحب عذاب ..كان الاستاذ صالح تربوي من الطراز النادر لايعرف اوساط الحلول ..وقد امر بجلدي اثناعشر جلدة ..
تلقيتها جميعا على راحتي يدي النحيلتين .. فأنفجرت باكيا وبصوت مسموع امام الملا ..
وحينما دخلنا الصفوف لم اقوى في ذاك اليوم .. ان امسك القلم .. فظللت ابكي وانتحب .. وقد رق لحالي الطلبه والطالبات فشاركوني في البكاء والنحيب ... وبكيت اشرح شعوري ويارب من له حبيب لاتحرمه من حبيبه ..وتمنيت حينها ان اكون بجانب امي لارتمي في حضنها وتواسيني في أزمتي ومصيبتي .. فأنا في الوضيع وامي بعيدة في القرية ارض البدوان ..
وحينما اخطروا رئيسي واستاذي صالح امنقي .. انني يتيم وفقير .. استدعاني الى مكتبه .. ورأيت الندم والاسيان مرسوم على محيا رئيسي ورأيت الدموع تذرف من عينيه .. بعدما ضمني الى صدرة وطبطب على ظهري .. وطلب مني ان اسامحه فكفكفت دموعي ومسحتها وسامحت استاذي .. بنفس راضيه واشفقت عليه ونسيت الم يداي ..وتحاملت على نفسي حتى لا اعمق من جراح والم استاذي الطيب صالح امنقي ..
وفي ذاك اليوم دفع لي خمسه شلنجات .. ودفاتر رسم ومحموعة اقلام ملونه .. واولاني من بعد ماعاقبني عنايه خاصه .. ورعايه كريمة .. وكانت في ذيك الايام ممنوع علينا المجلات والجرائد .. ماعدا كتب لينين وماو سي تونغ واخيه كيم إيل سونغ ..
ثم شاءت الاقدار ان اكون معلما ونائبا لمدير مدرسة في صميم الريف ... وفي يوم وانا اصحح اوراق تلاميذي ..رأيت وانا داخل مكتبي حلقه من الطلبه والطالبات .. من التعليم المختلط لمنتصف التسعينات ..فذهبت لاستطلع الامر وليتني لم اذهب .. ووجدتهم ينظرون الى شاشة جوال .. فأخذت الجوال عنوة .. ورأيت مايخجل ومايخدش الحياء .. فهالني ذلك وراعني وافزعني .. اهذا آخر حال ابناءنا .. ولم اتكلم ببنت شفه خوفا على سمعة الاولاد ومعاقبتهم من ابائهم .. ثم عادت بي الذاكرة الى ايام دراستي من السنين الخوالي ..
وتذكرت ايام صالح امنقي الذي لم يألوا جهدا في تربيتي ..فسقى الله تلك الايام وسقى الله ايام صالح امنقي وسقى الله نظرة رضاء من حبيبي .. وقل للزمان ارجع يازمان ....