مقالات وكتابات


الثلاثاء - 19 مارس 2019 - الساعة 11:03 م

كُتب بواسطة : احمد ناصر حميدان - ارشيف الكاتب


يعتقد البعض من مصلحته ان يسقط قيم المجتمع ويخلخل في التركيبة الاجتماعية والوطنية معا , ليفتح ثغرات اختراق لمشروعه الذي لا يمكن ان يتم دون ذلك , ولا يوجد افضل من الكراهية لتسقط الخير في الناس , ويسقطون في وحل من النزاعات السلبية والاتهامات الكيدية واستسهال التخوين ,  بل القتل المعنوي لبعضهم البعض , دون ان يدرك هولا ان السقوط كارثة يحدث تحلل للبناء يعم الجميع , فاذا بهم يتحللون لمكونات اولية صغيرة , ولن يتوقف هذا التحلل حتى يتلاشى هولا بكل ما فيهم من عفن , ويبقى اصحاب الخير والحق ويصح الصحيح .

 

انه مخاض التغيير القائم اليوم الذي يفرز لنا الخير من الشر والحق من الباطل , وتتكشف خفايا النوايا وخيوط المؤامرات , مخاض تفاعل المكونات الاجتماعية والسياسية , تعبر عن ما فيها , وتعلن عن حقيقتها , تعبر عن مكنوناتها بالخطاب والتعامل مع الاخر , ماذا يعني لنا رمي كل مخالف ومختلف بالتهم والعمالة ؟, وخيانة القضية والوطن , بعيدا عن مؤسسات دولة ونظام وقانون وقضاء ونيابة , بل شحن المجتمع بكم هائل من الشائعات والمناكفة والبرمجندة الاعلامية , بل بالكذب والخداع والتزوير , وتغييب الحقائق , استثمروا مجتمع فيه من التخلف والامية الثقافية , وعجز واضح في التفكير والاستقصاء والاستنباط , فيه كسالا العقول متلقي لمعلومات معلبة جاهزة , يصدقونها ويبنون عليها مواقف واختيارات , بل يعيدون انتاجها والزيادة التطوعية عليها واعادة تدويرها .

 

حالة متوقعة  منذ زمن , ونحن وغيرنا كثير ممن استشعر خطورة ما يحدث ونبهنا  , وبل سخرنا اقلامنا في مواجهة التخريب المقصود والغير مقصود لبنى المجتمع ونسيجه الاجتماعي وثقافته وارثه وتاريخه بل هويته الثقافية والفكرية والوطنية , كم صرخنا وكتبنا لنوقف القتل العمد للمجتمع , قتله بالكراهية والمناطقية والطائفية بل وصلت لأعلى مستوى الانتحار وهي العنصرية , والبعض كان يستسهل الامر , ويكيل لنا التهم والتوصيفات بل البحث عن الجينات والسلالات في ثقافة ترسخت فيهم وتعمقت في وجدانهم حتى تفسخت عقولهم ونفوسهم .

 

ما يحدث اليوم هو مجتمع مريض يقاوم , مجتمع يلهث للبقاء بين الامم الحية , وهو يواجه حرب شعواء , جوع وفقر ووباء , ظلم وقهر واضطهاد , كل هذا معاش يوميا بدرجات متفاوتة , وبهلوان القفز من هنا لهناك حسب المصالح والانانية  , ومخرج يلعب على التباينات والتناقضات , لينثر ماله المسموم في شراء الذمم وتوظيف ما يمكن توظيفه , حتى صار البعض موظفا اسير ما يدفع له من مال , وذهب النضال في مهب الريح , كيف يبرر هولا هذا السقوط ؟ , وجدوا ضالتهم في الهجوم  خير وسيلة للدفاع , والغاية تبرر والوسيلة , وتكفينا الوسيلة  التي تكشف حقيقة صاحبها وما يخفيه من غاياته بصورة مذهلة  .

 

التخوين هو قتل لمعنوية الطرف الاخر والتحريض ضده لهدف اخراجه من المنافسة السياسية او الثقافية والفكرية , لا يقوم بها غير عاجز عن المنافسة , او لا يملك مشروع مقبول شعبيا , يمكن اعتبارها ظاهرة ترهيب وتهديد تبرر للعنف والقمع , في مشهد يشبه لحد بعيد جدا الدولة الامنية المستأسدة التي فيها الاخر المختلف مدان , وقبول الراي الاخر جريمة , ما يوحي بإعادة انتاج نظام شمولي مستبد طاغية فيه الولاء للزعيم والايدلوجيا او المنطقة او الطائفة والوطن يذهب للجحيم .

 

من الوهلة الاولى استطعنا ان نستشرف ما يحاك لنا , من الخطاب في المنصة , وهي على بعد من السلطة , كما قال سقراط (تكلم حتى اراك ) , فقد راينا مشروعهم في خطابهم  , خطاب التهديد والوعيد والتخوين والاتهام , والفتاوى التي تدعوا هدر دماء وزهق ارواح  كل راي مخالف , واعلان اجتثاث الاخر السياسي الذي يمارس حقة المكفول قانونا , هذا هو الشعور بالقمع الذي بالضرورة يعطيك تحذير بإعادة انتاج القامعين , والتلويح بالعنف الذي يعطيك فكرة فرض امر واقع عليك ان تتقبله دون ان تعارض او تنطق بكلمة حق  تعرضك للتخوين والاتهام بل السجن والتعذيب والموت حسب فتواهم في الساحة .

 

الوعي القمعي نفسه الذي يدفع بصاحبة للسلوك الوحشي , يوصف عامياً بشخصية البلطجي او المليشاوي , ومن هذا يطلق عليهم بلاطجة ومليشيا , لا دولة ولا نظام ولا قانون ولا شرع يشكمهم , تحكمهم نزعاتهم ورغباتهم والمخرج الذي يخطط لهم , في غياب لمنظار الحد بين الحق والباطل , الحق المكفول قانونا وشرعا , في استنساخ لأليات علاقة  الغاب والبقاء لمن يملك البندقية , في قتل معنوية الاخرين وجعلهم مجرد عبيد في وطن تحكمه البلاطجة والمليشيا بالاستبداد والقهر والاضطهاد , والتخوين والاتهام والتكفير .