مقالات وكتابات


الجمعة - 08 مارس 2019 - الساعة 05:37 م

كُتب بواسطة : علي ناصر محمد - ارشيف الكاتب



قبل أكثر من 40 يوماً فقدنا مناضلاً من ثوار الرابع عشر من أكتوبر المجيد، وواحداً من أبناء المهرة الشرفاء والأوفياء، الذين صنعوا النصر واستقلال اليمن الجنوبي بحق وقدموا التضحيات الجسام في سبيل ذلك وفي بناء الدولة حيثما تواجد في مؤسساتها محافظاً ووزيراً للزراعة والأسماك وعضواً في قيادة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني 
انتمى عكوش الى حركة القوميين العرب منذ وقت مبكر، التي كان فرعها في اليمن الجنوبية الفصيل الرئيس في تأسيس الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل من الاستعمار البريطاني، وكان وجود مناضلين من المهرة أمثال عكوش في صفوف الثوار يعني أن فكرة الثورة قد غطت كل مساحة الوطن من باب المندب الى المهرة، وأن الثوار سواء كانوا من جبهة التحرير أو الجبهة القومية هم من كل أبناء هذا الوطن الذي ينشد شعبه الحرية والاستقلال الناجز بدون قيد ولا شرط. وكان ذلك يعني إدراكاً واعياً من كل أبناء الجنوب بأنه لا يمكن طرد المحتل وتحقيق الاستقلال الوطني إلا عبر الثورة والكفاح المسلح بعد أن استنفذ كل الوسائل الأخرى باعتباره أعلى درجات النضال. وكان شعبنا في الجنوب محقاً في اختياره وخياره ذاك دون أن يهمل الوسائل السلمية من إضرابات ومظاهرات ومسيرات شعبية وعصيان مدني بل إن ذلك سار جنبا الى جنب مع الكفاح المسلح والعمليات الفدائية في المدينة والريف، فكانت أدوات ضغط إضافية على المستعمر بأن وجوده قد طال ولم يعد مرغوباً فيه وما عليه سوى التسليم بإرادة الشعب والرحيل. وهو ما تحقق في ثلاثين نوفمبر ١٩٦٧م.
تعرفت إلى المناضل محمد سالم عكوش لأول مرة في تعز ثم في القاهرة حيث كان يتم إعداد الثوار لمهمات قتالية والتدرب على أنواع جديدة من السلاح وعلى حرب التحرير الشعبية التي طورها الثوار أنفسهم بعد ذلك على أرض المعارك الحقيقية في الجنوب خاصة في قلب المستعمرة الإنجليزية عدن أو في جبهات القتال في ردفان والضالع والشعيب وحالمين ولحج والصبيحة والمفلحي والعلوي والعقربي ويافع والفضلي ودثينة والعواذل وبيحان والعوالق والواحدي وحضرموت والمهرة، وحيثما فرضت المعركة وقواعد الاشتباك مع العدو تنفيد العمليات الفدائية وجودهم. وفي تلك السنوات، سنوات الجمر لم يكن أحدنا يعرف إذاً ما كان سيعود حياً من أتون نيران المعارك. كان طلب الشهادة وتحقيق النصر هو الهدف الأسمى للثوار ولم يكن هدف السلطة والمنصب هو الغاية. وقد استشهد كثيرون وجرح كثيرون خلال سنوات الكفاح المسلح، وكانت فكرة الحرية والظفر باستقلال الوطن تستحقان تلك التضحيات العظيمة التي قدمها شعبنا البطل خلال كل مراحل النضال الوطني الطويل من لحظة مقاومة الاحتلال في ١٩يناير ١٨٣٩م الى لحظة الاستقلال في ٣٠ نوفمبر١٩٦٧م حيث سقطت المناطق تباعاً في يد الثوار وكانت سقطرى آخر منطقة رُفع فيها علم الدولة الجديدة.
جمعتنا مع الفقيد الكبير عكوش الثورة والسلطة، وأينما تواجد كان مثالاً لذلك المناضل الشجاع والنزيه والمتوازن في آرائه ومواقفه والذي يقوم بواجبه نحو الوطن، فلا تغيره السلطة مهما تولى من مناصب، وأغلب الوقت يكون خارجها. فعكوش هو عكوش داخل السلطة أو خارجها.. فالمنصب عنده مسؤولية نحو الوطن وخدمة للمواطن، تكليف لا تشريف، لهذا عاش بسيطاً نزيهاً ومات بنفس النزاهة في زمن كثر فيه الفساد وباعة الأوطان. وكان يتميز على الدوام بالصدق وصراحة الرأي، والشجاعة في اتخاذ المواقف ودائماً يقف حيث يعتقد أنه الحق والصواب.
رحم الله فقيدنا الغالي محمد سالم عكوش الذي فقده الوطن مناضلاً وفقدته المهرة ابنا باراً، وفقدته أسرته الصغيرة أباً وزوجاً، وفقدته صديقاً وزميل كفاح في الشدة أكثر منه في الرخاء.. فالرجال تعرف بمواقفها في الزمن الصعب وكان عكوش مثالاً لنوع نادر من الرجال المخلصين والبسطاء والأوفياء كما هو دأب أبناء المهرة بصفة خاصة وكل أبناء هذا الوطن الغالي.

علي ناصر محمد