مقالات وكتابات


الأربعاء - 23 يناير 2019 - الساعة 11:58 م

كُتب بواسطة : احمد ناصر حميدان - ارشيف الكاتب



كلا منا في داخله ثائر , هناك ثائر إنساني في وجه كل الظواهر السلبية و وكل الانتهاكات الانسانية , ثائر مسلح بقيم ومبادئ انسانية وطنية يثور في وجه الخروج عنها , ثائر صعب اختراقه حر القرار والارادة.

وهناك ثائر منتقم من خصومه السياسيين , يمكن له أن يتنازل عن بعض القيم الانسانية ويسمح بمرور بعض الانتهاكات لتخدم أجندته السياسية والايدلوجية ونزعاته الانتقامية , يمكن اختراقه ليخدم الثورة المضادة ويتحول لأداة.

كلنا ثرنا ضد نظام فاسد ومستبد , ثرنا وكلا يحمل في داخله هذا الثائر , وعندما انهار النظام , تقاطعت مصالح الثائر الذي فينا , الثائر الإنساني يطمح في التغيير الإيجابي لواقع يخلو من الممارسات والظواهر السلبية من الانتهاكات الانسانية , يضع الكل في ميزان انسانيته , ما لم يقبله على نفسه لا يمكن أن يقبله على الاخرين , ولهذا تصادم مع الثائر المنتقم الذي سمح لنفسه أن يمارس كل ما مورس في حقه من ظلم وقهر وتعسف , بل بزيادة ,مما عكر صفو التحرير والحرية والعدالة وحقوق الإنسان , وكل القيم التي نادى ونادينا معا بها في الساحات , ليتحول خادما للثورة المضادة ,انه الانتقام وهو إحداث مزيدا من الضرر والتراكمات والثأر , المنتقم يبقى في عمق المشكلة و يؤججها , يزيد من حجم التراكمات , لا يمكن ان يصنع حلا , بل يقدم مبررا للأخر للدفاع  عن نفسه من هذا الانتقام , وتمسكه بالعنف لمواجهة عنف الانتقام , عنف يهد جسور الثقة التي بنتها الثورة عندما توحد الناس في الساحات , وتسامح الكثير مع بعضهم وهم في اصطفاف ثوري رائع في مواجهة النظام .

ما الذي حدث إذا ليعود البعض لدائرة الانتقام ؟, انهم الضعفاء والمهزومين من الداخل , هناك الأقوياء الذين يتجاوزون الهزيمة ليصنعوا  نصرا , وهناك الضعفاء الغير قادرين على تجاوز الهزيمة , فيبقوا مهزومين في داخلهم , هزيمة خدشت انسانيتهم وتحولوا لمرضى , يفتقدون تلك النفس الانسانية العظيمة المتسامحة التي ترتقي فوق كل الجراحات , لتنهض من جديد بقيمها ومبادئها ومشروعها التي لا يمكن للظروف ان توثر فيه لتتنازل عنه كمبدأ  , إنها النفس الضعيفة المتذبذبة التي تصنعها الظروف , لا يمكن لها أن تكيف الظروف لخدمة مبادئها, وتفتح افاق وتشق الطريق لمشروعها المبدئي .

كما أن البعض يتغير بتغيير القوة التي يملكها , والمكانة التي يتربع , إذا تمكن تسلط واظلم وتعسف , تحول لوحش يمكن أن يمارس الظلم ضد الضعفاء والمساكين , ويتحول لسوط بيد اعداء الثورة , وكم من هولا تحول بقدرة قادر لخدمة الثورة المضادة اليوم .

اليوم نرى من يبسط وينتهك ويستبيح بل ويقتل , ويسئ للثورة والتحرير , وعدن مثالا , بعضهم لم يكن يوما في الساحات , والبعض الآخر كان في صف النظام , وتحول بقدرة قادر لثوري , مجرد دور عليه أن يلعبه في سيناريو مدفوع الثمن , وبعضهم كان في الساحات بأدوار مشبوهة الكل يعرفهم , انظر للمكونات وتكويناتها , وتعرف انها ادور أوكلت لبعض أدوات النظام السابق والثورة المضادة لتتوزع بين المكونات الثورية , في وهم اختراق الثورة والعودة لسدة الحكم من خلالها , وما يحدث اليوم من مخاض هو مقاومة الثورة لهذا المشروع .

مشروع بدأ يظهر بوضوح بأفكار , ونسمع أبواق تصرح بمنشوراتها وتغريداتها تسيء للثورة , لتوصل رسالتها سلام الله على عفاش  , سيناريو خبيث لتلميع صورة النظام القبيح , بقبح أدواته في صف الثورة , ولو تمعنا قليلا لعرفنا أن هذه الممارسات والانتهاكات تصدر ممن تربى وترعرع في كنف ذلك النظام البائس , او تضرر منه وخدش روحيا ونفسيا , حتى صار جزءا قبيح من الضرر نفسه , مجردين من انسانيتهم وقيمهم ومبادئهم , كتل مثخنة بالمصالح والانانية.

المزعج أن أحجار النظام البائد الرثة والقذرة الملطخة بفساده تستخدم اليوم لبناء المستقبل , احجار لازالت ركن من أركان البناء , لم يتركوا مواقعهم لأحجار جديدة لنبني مستقبلنا على أحجار صلبة ومتينة.

تفعيل الرقابة والمحاسبة والقضاء والنيابة , سيفكك هذا الترابط المعيب والذي يخترق فيه النظام البائد المستقبل المنشود , سيتمخض الصراع للدولة المنشودة وتنتصر الثورة على بقايا نظام البائد.