مقالات وكتابات


الأربعاء - 23 يناير 2019 - الساعة 11:54 م

كُتب بواسطة : صلاح السقلدي - ارشيف الكاتب



حين تسمع إعلام السلطة اليمنية في عدن والرياض أو -بالأحرى إعلام حزب الإصلاح المسيطر الفعلي على مفاصل هذه السلطة وقراراتها - يتحدث عن المليشيات الخارجة عن الشرعية بالجنوب وفي الساحل الغربي وبأنها وحدات غير نظامية ويجب أن يتم احتوائها، فأعلم جيدا أنه يقصد بذلك حصرا كل التشكيلات الأمنية والعسكرية الجنوبية التي لا تخضع لهذه السلطة ولهذا الحزب،ولا يقصد أبدا التشكيلات التي تتبع قوات العميد طارق صالح، ناهيك عن التشكيلات التي تتبع الحزب سواء بالجنوب  باسم بعض ألوية الحراسة الرئاسية أو القوات العسكرية والأمنية التابعة له في مأرب وما أكثرها عدة وعتادا.

    فالإصلاح لم يتحدث قط عن أن قوات العميد طارق هي مليشيات خارجة عن سيطرة الشرعية، برغم أنه أي العميد طارق لا يعترف أصلاً بهذه الشرعية مثلماً يعترف بها الطرف الجنوبي وبالذات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقول الإصلاح أنه يتحكم بهذه المليشيات،كما أن العميد طارق أيضاً لا يعترف بشرعية الرئيس هادي نفسه، ولا قاتل الحوثيين باعتبارهم إنقلابيين كما يريد الإصلاح وتريد هذه الشرعية بل يقاتلوهم من منطلق ثأري محض  وأن كان يتخفى خلف ستار شفاف اسمه الجمهورية وحراسها-،ومع ذلك لم يجرؤ الإصلاح على المطالبة بإرغام طارق الاعتراف بهذه الشرعية وبالرئيس هادي ولم يعتبره بالتالي متمردا عليها كما يوصم الطرف الجنوبيين بكل مناسبة.

    فكل مَـــنْ لا ينصاع لهذا  الحزب ولمشروعه السداسي( دولة الستة الأقاليم) فهو في نظره مليشياوي متمرد , مع أنه  يمتلك الآلاف المؤلفة من المسلحين الحزبيين المؤدلجين في الشمال والجنوب, وإلا كيف نفهم مثلاً أن يقول هذا الحزب أنه قدّم المئات من الشهداء من كوادره بمواجهة الحوثيين في عمران ومناطق أخرى قبل عام 2014م متهما حينها الجيش  بالتخاذل؟. وكيف يمكن أن نفهم أيضاً أن يقول هذا الحزب إن لم يكن لديه مقاتلين ومليشيات بعد دخول الحوثيين صنعاء في ذلك العام أنه فضّـل عدم خوض أية معركة مع الحوثيين حفاظا على العاصمة، أو كما قال رئيس الحزب العميد محمد اليدومي مقولته الشهيرة: لن ننجر؟.

الإصلاح يمارس التذاكي المكشوف مع الآخرين، فهو الذي يخشى المواجهة المباشرة مع الإمارات يعمد عوضا عن ذلك الى أسلوب الهمز واللمز, فلم نسمعه على الإطلاق أن قال صراحة أن ما يسميها بالميلشيات بالجنوب هي مسنودة من الإمارات و أنها هي من تشجعها ولكنه يعزو ذلك لأعضائه أن يقولوا ثم  يتنصل منهم بعد أن يكون قد ارسال الرسائل لمن يعنيهم الأمر. كما أنه في الوقت الذي أصدر الرئيس هادي قرارات انشاء هذه الوحدات التي يسميها الإصلاح بالميلشيات كالحزام الأمني والنخب الأمنية في شبوة وحضرموت وقرارات ترقيات عسكرية لقيادات هذه الوحدات لم ينبس الإصلاح ببنت شفة حيال ذلك.

   قد يقول أحدهم في حزب الإصلاح أن ثمة جيش أسمه الجيش الوطني، وهو من يجب أن ينضوي تحته كل الكيانات العسكرية. ولكن لا يستطيع هذا أن يرد على تساؤلاتنا: كيف يكون جيشا وطنيا  وكل القوى السياسية والحزبية -باستثناء حزب الإصلاح طبعا- مستبعدة منه تماما ولا يسمح لها بالمشاركة فيه إلا بشروط الولاء للحزب واللواء علي محسن الأحمر بمن في هذه الأحزاب المؤتمر الشعبي العام بكل فصائله بما فيها فصيل المنشق عن صنعاء, والحزب الاشتراكي، والجنوب بكل أطيافه، فضلا عن الحركة الحوثية بالطبع؟ فمن أين استمد هذا الجيش مسمى الوطنية وكل هؤلاء خارج سياقه؟. وقبل هذا وذاك كيف يكون جيش  وطني وهو قادم من خلف الحدود ويأتمر بأوامر من الرياض والدوحة وإسطنبول؟ّ!.

   لا نجادل أبداً في حقيقة أن طريقة تشكيل الوحدات الأمنية والعسكرية بالجنوب تمت بطريقة معيبة  بل وتشكل خطرا ماحقاً على السلم الاجتماعي الجنوبي وعلى مستقبل الجنوب السياسي برمته إن لم يتم تدارك ذلك وتصيح هذا الخلطة المسمومة، بل لقد حذرنا  مرارا -وما زلنا- من أول يوم من خطورة هذا التوجه - الذي تم بأيادٍ جنوبية وشرعية وبإيعاز ومصلحة خليجية - بنفَــس جهوي مقيت، وتجاهل معها الكوادر الجنوبية الأمنية والعسكرية المجربة التي ما يزال قطاع كبير منها قابعا بالمنازع، ولكن لا يمكن القبول أن يتم تدمير نواة القوات المسلحة والأمنية بالجنوب تحت ذريعة اسمها المليشيات في حين  يتم فيه تفخيخ الجنوب والشمال بمليشيات أكثر خطورة وأشد ضراوة وخطورة من مليشيات الجنوب، كما لا يمكن تحت هذا المبرر أن يتم تحطيم الأجهزة الأمنية والعسكرية بالجنوب لحسابات سياسية وحزبية في وقت يتم في تأسيس وحدات عسكرية بالشمال بأغلفة حزبية -إصلاحية ومؤتمرية، سيتم استخدامها قطعاً في قادم الأيام بضرب الجنوب من داخل الجغرافيا الجنوبية سواء على شكل فراد أو جماعات. فللتأريخ ذاكرة لا تخون.