مقالات وكتابات


الجمعة - 24 نوفمبر 2017 - الساعة 06:33 م

كُتب بواسطة : د. قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب


الفرحة تغمرني وانّا أقرأ تعليق استاذي الفيلسوف الدكتور نمير مهدي العاني على خاطرتي الشعرية التي كتبتها في ليلة عدنية عاصفة بعنوان : هل تناسى الفجر موعده؟! خاطرة عبرت في عن حقيقة ما كان ينتابني من مشاعر هائظة في ليلة دامية! وبعثتها له بغرض إعلامه بما بتنا نعيشه من حال ومآل في هذه البلاد المسممة بالحرب والخوف والظلام، بعد أن طلبي مني اطلاعه على احوال المدينة التي أحبها وأحبته في زمن مضى وعاش في رحاب جامعتها أستاذاً أكاديمياً ومربياً ومفكراً لا يشق لها غبار! فمن ذا الذي لا يعرف المفكر العربي الرصين نمير العاني، أنه د. نمير العاني، أستاذ الفلسفة في جامعة الدولة لتكنولوجيا المعلومات و الميكانيك الدقيق و العدسات في سانت بطرسبورج/روسيا الاتحادية، له العديد من الأعمال والمؤلفات في المجال الفلسفي منشورة باللغات العربية والروسية. ونشر العديد من الأبحاث والدراسات في " النهج " و " الثقافة الجديدة " و " الطريق " اللبنانية إضافة الى عدد من المجلات العلمية المتخصصة. والدكتور العاني كان خلال السبعينات من القرن الماضي عضوا في هيئة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة)، كما عمل مدرسا ثم أستاذا مساعدا في قسم الفلسفة التابع لكلية الآداب في جامعة بغداد خلال الفترة من آذار 1973 و لغاية فصله من الجامعة في حزيران 1979. و بعد ذلك عمل أستاذا و رئيسا لقسم الفلسفة في جامعة عدن (اليمن الديمقراطية آنذاك) خلال الفترة من شباط 1982 و لغاية حزيران 1987. ثم عاد لهذه الجامعة للعمل فيها أستاذا للفترة من شباط 1992 حتى مايس/آيار 1994. أخبري الدكتور نمير أن معظم كتاباته باللغة الروسية وأنه نشر أكثر من تسعين كتاباً في مجالات الفلسفة والفكر النقدي. قبل أيام ارسلت اليه هذا الخاطرة الشعرية التي قلت فيها:

هل تناسى الفجر موعده؟

من آخر الآحزان
يأتي الموت
في ليل الفجيعة
صامتا متسللا
لا خوف يحمله
ولا وجع الممات
يأتي ويمضي
خلسة فينا
وفي أحبابنا
والكائنات
من خارج المعنى
ومن كل الجهات
لا دمع يُذرف في
العيون الشاردات
لا حزن في الأعماق
يتأسى على الأحياء
والأموات في
مدن الشتات
الآن والأسماء
تشبه بعضها
والنَّاس ترقب صمتها
صمت القلوب الواجفات
في هذا الساعات
من خوف المدينة والشمات
وحدي اجر الخطو
صوب البحر والأمواج
اسألها بصوت هامس
ماذا جرى للحوريات
دقيقة مرت وآخر
بانتظار الرد
ومرت الساعات
لكن لا أحد
موحش هذا السبات
وفِي سماء البحر المح
ومض أنجم خافتات
هل ضاقت الكلمات
بالمعنى أم أن
المعاني خائفات
لا شي في هذا المدينة
غير أصوات البنادق
والقنابل والمدافع ساهرات
لا نوم يأتي في عيون الخوف
منذ الفجر أرعبها وبات
الآن أسمع صوت
بعض الطائرات
من أي نافذة يطل الشر؟
في عدن المباحة للبغاة
الصمت خيم والشوارع
والمقاهي مقفرات
هل تناسى الفجر موعده؟
أم أن الليالي سادرات
أجابني صوت من الذكرى
ماذا يفيد الفجر غير
أَلَمُّوت بالمتفجرات
هل ضاقت الرؤية
وضاق الحرف والمعنى
عن فهم الرزايا النازلات؟
عطشان يا نهر الفرات
لا نجمة في الليل
تنعشني بضحكتها
ولا سكر وقات
صحراء من كل الجهات

فينيقة البركان تهمد
ربما لحظات لتبّرح جرحها
تتحسس الضربات
في أطرافها والغائرت
وتستعيد العزم والتصميم
من بعد الحروب الداميات
لكنها لن تنثني أبدا
مثل انثناء العاهرات
فينيقة البركان
والبحر العميق
غدا ستعاود التحليق
كطائر العنقاء تنهض
من هشيم النار
من بين الرفات
لتكتب مجدها المنظور
في كل المعاني واللغات
كم أحبك يامدينة يا حميمة
حائزة كل الصفات
لعدن السلامة والنجاة

فجأني رده ألحاني بهذه الرسالة البالغة المعنى والدلالة إذ كتب قائلا:
" عزيزي د. قاسم! يبدو لديك باع في صناعة الشعر. و على الاغلب انها ليست محاولتك الأولى في نظمه. و بما أن نظم القريض موهبة و انك، كما يبدو، تمتلكها، لذا انصحك أن تمارس صناعته دون تردد. و كل ما هو مطلوب أن تمتلك ناصية التفعيلة و تكثر من قراءتك لفطاحل الشعراء و تحفظ الكثير من قصائدهم. و اني لمتأكد من أن مستقبلا شعريا زاهيا سينتظرك. ان الذي جلب انتباهي هو وجود التفعيلة في قصيدتك، الأمر الذي يميزها إيجابيا عن معظم القصائد المعاصرة و التي لا اقوى أن اسميها شعرا. اتمنى لك منجزا مشهودا على هذه الدروب العصية. كما و اتمنى لك و لعاءلتك الكريمة السلامة. نمير العاني"

شكرا استاذي الحكيم لهذه الجرعة الحافزة من التغذية الراجعة، تعليقك جعلني أطير من الفرح لانك المثقف الذي يعرف عماذا يتحدث، وسوف أظل مدين لكم بالكثير مما تعلمته وعلى دربكم سائرين.