مقالات وكتابات


الإثنين - 01 يناير 2018 - الساعة 01:39 ص

كُتب بواسطة : د. قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب




تعد الاحتفالات السنوية من الظواهر الاجتماعية التي رافقت حياة الإنسان منذ ماقبل التاريخ، بوصفها انزيحا سوسيولوجي وسيكولوجي عن السياق الاجتماعي الروتيني للحياة الاجتماعية، إنزياح يتم التعبير عنه بتنويعات شتى من الأفعال والتفاعلات والعلاقات والممارسات والقيم والرموز عند مختلف الشعوب، فكل جماعة أو تجمع أو شعب من شعوب الأرض يمارسون الاحتفال بوصفه تأكيدا للوجود والحضور وتعبيرا عن الفرح والسعادة بالحياة وإنجازاتها وتجديدا للطاقة وتحفيزا الأمل بالمستقبل. ففي الأزمنة القديمة ما قبل التاريخ كان الناس يعتفلون بأنفسهم وباعيانهم في سياق زمني أسطوري شديد الالتصاق بالطبيعة وتقلباتها ومواسمها، وكانت اعظم الاحتفالات عند الشعوب القديمة هي احتفالاتهم بحصاد الثمار نهاية كل عام وتوقعاتهم بما سوف تجود به السماء والأرض في قادم الأيام. غير أن الأمر المختلف في هذه الظاهرة المستمرة عند جميع البشر هو مدى وعيهم بالزمان بوصفه تاريخاً، والتاريخ هو انقطاع عن الطبيعة يحدث استيقاظا للوعي. مع تبلور الوعي التاريخ بسيرورة الحياة بالزمان ، بأبعاده الثالث، الماضي والحاضر والمستقبل، إي الذاكرة والوعي والخيال، بدأ التفكير بتوقيت الزمن وتحديده وتقسيمه الى لحظات وساعات وأيام وأعوام وعقود وقرون. بصيغ مختلف عند الشعوب والأقوام والحضارات، إذ يختلف التقويم عند الصينيين عن التقويم الإسلامي والتقويم اللاتيني . ولكنه يتشابه في وظائفه الاجتماعية الأساسية، فوظائف الاحتفال هي ذاتها عند بني الانسان إذ تشبع لديهم حاجات حيوية، لكسر الروتيني وتغيير النمط وسعادة الإنجاز وتوقع المستقبل، والقياس والتقويم المقارن بين ما قبل وما بعد؟ ماذا تحقق في العام الذي مضى وماذا يمكننا تحقيقه في العام الجديد؟ ومن السخف النظر الى احتفالات الشعوب المسيحية بوصفة مجرد احتقادا دينيا وشجرة ميلاد وكريسمس وشرب الخمر أو غير ذلك كل تلك الرموز والعناصر هي جزء من الباراديم الكلي للاحتفال الذي يعني أكثر منها بالتأكيد. وكلما كانت حياة الأفراد والشعوب منظمة ومستقرة وأمنة في قواعدها المؤسسية الراسخة كلما كان للاحتفال بعيد رأس السنة قيمة واهمية واعتبار، إذ يمكن لمواطني تلك الدول المسيطرة على ممكنات تاريخها أن يحتفلوا بما مضى من أيامهم وما حققوه من إنجازات في إطار العام الذي مضى بسعادة وفرح مصحوب بالأمل والتطلع الى عام جديد أجمل وأفضل. أما من يفتقدون قدر السيطرة على شروط حياتهم اليومية في بلدانهم ويعيشون حياتهم في مهب العاصفة وبلا مزايا كما هو حالنا في البلاد العربية المسممة بالحروب والفساد والخوف والخراب، بما يعجزنا عن توقع ما تخبئوه الليالي والأيام القريبة القادمة، فليس للاحتفال بتعاقب الأعوام بالنسبة لنا معنى واعتبار، فنحن نعيش في زمن دائري، يكرر باستمرار ما قد جرى وكان منذ قديم الازمان بمختلف الأنماط والصيغ والاشكال ودون أن نعي أن الزمان تاريخ وأن التاريخ يسير من الماضي الى الحاضر الى المستقبل، فمن العبث الحديث عن الاحتفال برأس السنة الهجرية أو الميلادية، فالأمر سيان! وطالما وقد عجزنا عن القبض على ممكنات التاريخ والسير في ركابه مثل سائر الأمم والشعوب والأقوام، فليس بمقدرونا منع غيرنا من التعبير عن أفراحهم كما يشتهون! دعوهم يحتفلون بعامهم الميلادي الجديد بطريقتهم. ولا تنشغلون بهم بل يجب أن نسأل أنفسنا السؤال البسيط ؟ ماهو الزمن، وكيف نعيه بوصفه تاريخا لمن يصنعونه؟ والأمر المهم هنا ليس هو ماذا يقول الناس ويفعلون هنا والآن؟ بل هو لماذا يقولون ما يقولونه؟ ويفعلون ما يفعلونه؟. ومن ينجب يسمي ومن ينتج يجني ومن يبني يسكن ومن ينجز يحق له أن يسعد كما يحلو له! أما العاجز فليس لديه خيارات غير الحسرة والندم على الزمن الذي ضاع دون أن يعلم كيف ضاع ولماذا؟ونحن جميع البشر كائنات تاريخية نعيش التاريخ كما تعيش الأسماك بالماء! والتاريخ هو ما يصنعه البشر بأنفسهم ولا شيء يأتي اليه ولا شيء يخرج منه، ولكنه يكسر رؤوس البشر ولا يتكسر رأسه ابدا!